للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فِي شَاكِلَتِهِ تَعَارَفَتْ فِي عَالَمِ الْخَلْقِ وَائْتَلَفَتْ وَاجْتَمَعَتْ، وَكُلُّ مَا كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فِي عَالَمِ الْأَمْرِ تَنَاكَرَتْ فِي عَالَمِ الْخَلْقِ فَاخْتَلَفَتْ وَافْتَرَقَتْ، فَالْمُرَادُ بِالتَّعَارُفِ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّنَاسُبِ وَالتَّشَابُهِ، وَبِالتَّنَاكُرِ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّنَافُرِ وَالتَّبَايُنِ، فَتَارَةً عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ وَتَارَةً عَلَى وَجْهِ النُّقْصَانِ، إِذْ قَدْ يُوجَدُ كُلٌّ مِنَ التَّعَارُفِ وَالتَّنَاكُرِ بِأَدْنَى مُشَاكَلَةٍ بَيْنَهُمَا إِمَّا ظَاهِرًا وَإِمَّا بَاطِنًا، وَبِحَقِيقَةٍ يَطُولُ وَتَخَافُ مِنْ إِعْرَاضِ الْمُلُولِ وَاعْتِرَاضِ الْفُضُولِ، هَذَا وَقِيلَ: هَذَا الِاجْتِمَاعُ كَانَ يَوْمِ الْمِيثَاقِ فَمَنْ تَقَابَلَ مِنْهُمُ اثْنَانِ يَوْمَئِذٍ يَأْتَلِفَانِ فِي الدُّنْيَا غَايَةَ الْمُؤَالَفَةِ، وَمَنْ تَدَابَرَ مِنْهُمْ شَخْصَانِ يَخْتَلِفَانِ فِي نِهَايَةِ الْمُخَالَفَةِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الِاجْتِنَابِ لَهُ مُشَارَكَةٌ مِنْ مُشَاكَلَةِ كُلِّ بَابٍ كَالْمُنَافِقِينَ، وَأَشْبَاهِهِمْ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ، ثُمَّ لَا يَمْنَعُ مِنْ هَذَا التَّعَارُفِ وَالتَّنَاكُرِ وَصْلَةُ الْأَجَانِبِ وَشَجْنَةُ الْأَقَارِبِ.

كَانَتْ مَوَدَّةُ سَلْمَانَ لَهُ نَسَبًا ... وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ نُوحٍ وَابْنِهِ رَحِمٌ

وَلَا يَدْفَعُهُ بُعْدُ الدَّارِ وَلَا يَجْمَعُهُ قُرْبُ الْمَزَارِ.

مُنَاسَبَةُ الْأَرْوَاحِ بَيْنَ وَبَيْنَهَا ... وَإِلَّا فَأَيْنَ التُّرْكُ مِنْ سَاكِنِي نَجْدٍ

قَالَ حَكِيمٌ: أَقْرَبُ الْقُرْبِ مَوَدَّةُ الْقَلْبِ وَإِنْ تَبَاعَدَ جِسْمُ أَحَدِهَا مِنَ الثَّانِي، وَأَبْعَدُ الْبُعْدِ تَنَافُرُ التَّدَانِي.

وَفِي النِّهَايَةِ قَوْلُهُ: جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ أَيْ: مَجْمُوعَةٌ كَمَا يُقَالُ: أُلُوفٌ مُؤَلَّفَةٌ وَقَنَاطِيرُ مُقَنْطَرَةٌ، وَمَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَنْ مَبْدَأِ كَوْنِ الْأَرْوَاحِ وَتَقْدُمُهَا الْأَجْسَادُ أَيْ: إِنَّهَا خُلِقَتْ أَوَّلَ خِلْقَتِهَا عَلَى قِسْمَيْنِ مِنِ ائْتِلَافٍ وَاخْتِلَافٍ، كَالْجُنُودِ الْمُجَنَّدَةِ الْمَجْمُوعَةِ إِذَا تَقَابَلَتْ وَتَوَاجَهَتْ، وَمَعْنَى تَقَابُلِ الْأَرْوَاحِ مَا جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهَا مِنَ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ وَالْأَخْلَاقِ فِي مَبْدَأِ الْخَلْقِ يَقُولُ: إِنَّ الْأَجْسَادَ الَّتِي فِيهَا الْأَرْوَاحُ تَلْتَقِي فِي الدُّنْيَا فَتَأْتَلِفُ وَتَخْتَلِفُ عَلَى حَسَبِ مَا خُلِقَتْ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا تَرَى الْخَيِّرَ يُحِبُّ الْأَخْيَارَ، وَيَمِيلُ إِلَيْهِمْ، وَالشِّرِّيرُ يُحِبُّ الْأَشْرَارَ، وَيَمِيلُ إِلَيْهِمُ اهـ. وَفِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَعُنْوَانِ الْبَابِ، لَا سِيَّمَا وَهُوَ صَدْرُ الْخِطَابِ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَرْوَاحَ لَيْسَتْ بِأَعْرَاضٍ وَعَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَ الْأَجْسَادِ فِي الْخِلْقَةِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) أَيْ: عَنْ عَائِشَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>