[بَابُ جَامِعِ الدُّعَاءِ]
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٢٤٨٢ - (عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جَدِّي وَهَزْلِي، وَخَطَئِي وَعَمْدِي وَكُلَّ ذَلِكَ عِنْدِي، اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ) . (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
ــ
(بَابُ جَامِعِ الدُّعَاءِ)
قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ، أَيِ الدُّعَاءُ الْجَامِعُ لِمَعَانٍ كَثِيرَةٍ فِي أَلْفَاظٍ يَسِيرَةٍ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِلَفْظِ الدَّعَوَاتِ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ، وَقَوْلُهُ: قُمْ قَوْلُهُ أَيِ الدَّعَوَاتُ الْجَامِعَةُ فَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ غَيْرُ مُطَابِقٍ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ فَتَأَمَّلَ لِيَظْهَرَ لَكَ الْخِلَافُ.
٢٤٨٢ - (عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي» ) أَيْ سَيِّئَتِي (وَجَهْلِي) أَيْ فِيمَا يَجِبُ عَلَيَّ عِلْمُهُ وَعَمَلُهُ (وَإِسْرَافِي) أَيْ تَقْصِيرِي وَتَجَاوُزِي عَنْ حَدِّي (فِي أَمْرِي) قَالَ مِيرَكُ - رَحِمَهُ اللَّهُ: الْخَطِيئَةُ الذَّنْبُ، وَيَجُوزُ تَسْهِيلُ الْهَمْزَةِ فَيُقَالُ: خَطِّيَّةٌ بِالتَّشْدِيدِ، وَالْجَهْلُ ضِدُّ الْعِلْمِ، وَالْإِسْرَافُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِي كُلِّ شَيْءٍ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ فِي أَمْرِي أَنْ يَتَعَلَّقَ بِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ (وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي) تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ وَاعْتِرَافٌ بِإِحَاطَةِ عِلْمِهِ تَعَالَى وَإِقْرَارُهُ بِعَجْزِهِ عَنْ مَعْرِفَةِ نَفْسِهِ، وَلِذَا قِيلَ: مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي) هُوَ نَقِيضُ الْهَزْلِ (وَهَزْلِي) وَهُوَ الْمِزَاحُ أَيْ مَا وَقَعَ مِنِّي فِي الْحَالَيْنِ، أَوْ هُوَ التَّكَلُّمُ بِالسُّخْرِيَةِ وَالْبُطْلَانِ (وَخَطَئِي) مِمَّا يَقَعُ فِيهِ تَقْصِيرٌ مِنِّي، فِي الصِّحَاحِ الْخَطَأُ نَقِيضُ الصَّوَابِ وَقَدْ يُمَدُّ وَالْخَطَأُ الذَّنْبُ (وَعَمْدِي) أَيْ وَتَعَمُّدِي فِي ذَنْبِي (وَكُلَّ ذَلِكَ) أَيْ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْعُيُوبِ (عِنْدِي) أَيْ مَوْجُودٌ مُمْكِنٌ وَهُوَ كَالتَّذْيِيلِ لِلسَّابِقِ قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ أَنَا مُتَّصِفٌ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَاغْفِرْ لِي، قَالَهُ تَوَاضُعًا وَهَضْمًا، وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ عَدَّ تَرْكَ الْأَوْلَى وَفَوَاتَ الْكَمَالِ ذَنْبًا، وَقِيلَ: أَرَادَ مَا كَانَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: كَذَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ، وَحِكَايَتُهُ هَذَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مَعَ سُكُوتِهِ عَلَيْهِمَا عَجِيبَةٌ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ - مَعْصُومُونَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ وَصَغَائِرِهَا عَمْدِهَا وَسَهْوِهَا اهـ.
وَتَعَجُّبُهُ مِنْ أَكْبَرِ الْعَجَائِبِ لِأَنَّ النَّوَوِيَّ قَدَّمَ الْمُخْتَارَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ بِقَوْلِهِ: قَالَهُ هَضْمًا لِنَفْسِهِ وَقُوَاهُ بِنَقْلِهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ خِلَافُ الْأَوْلَى، ثُمَّ عَبَّرَ عَنْ غَيْرِ الْمُخْتَارِ بِقِيلَ، وَقِيلَ إِشَارَةٌ إِلَى ضَعْفِهِمَا عِنْدَهُ، فَمِثْلُ هَذَا لَا يُعَدُّ سُكُوتًا عَلَيْهِ حَتَّى يَتَعَجَّبَ مِنْهُ، ثُمَّ مِنَ الْغَرَائِبِ قَوْلُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي أَيْ أَنَا مُتَّصِفٌ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا أُرِيدُ بِمَا سَبَقَ التَّجَوُّزَ، بَلْ لَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنَّفُ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ أَوْ نُسْخَةٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا وَيَجُوزُ الِاكْتِفَاءُ بِأَحَدِهِمَا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا الْحَقِيقَةُ، أَيْ بِأَحَدِ الِاعْتِبَارَاتِ السَّابِقَةِ فَهَذَا كَالتَّذْيِيلِ لِمَا سَبَقَهُ اهـ.
وَوَجْهُ غَرَابَتِهِ الْمُنَاقَضَةُ وَالْمُعَارَضَةُ بَيْنَ كَلَامِهِ سَابِقًا وَتَمَامِهِ لَاحِقًا، هَذَا وَاعْلَمْ مُجْمَلًا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ عَنِ الْكَذِبِ خُصُوصًا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الشَّرَائِعِ، أَمَّا عَمْدًا فَبِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا سَهْوًا فَعِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَفِي عِصْمَتِهِمْ عَنْ سَائِرِ الذُّنُوبِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنَ الْكُفْرِ قَبْلَ الْوَحْيِ وَبَعْدَهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا عَنْ تَعَمُّدِ الْكَبَائِرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِلْحَشْوِيَّةِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ امْتِنَاعَهُ بِدَلِيلِ السَّمْعِ أَوِ الْعَقْلِ، فَعِنْدَنَا بِالسَّمْعِ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ بِالْعَقْلِ، وَأَمَّا سَهْوًا فَجَوَّزَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَأَمَّا الصَّغَائِرُ فَتَجُوزُ عَمْدًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِلْجِبَائِيِّ، وَتَجُوزُ سَهْوًا بِالِاتِّفَاقِ إِلَّا مَا يَدُلُّ عَلَى الْخِسَّةِ كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ وَالتَّطْفِيفِ بِحَبَّةٍ، لَكِنِ الْمُحَقِّقُونَ اشْتَرَطُوا أَنْ يُنَبِّهُوا عَلَيْهِ فَيَنْتَهُوا عَنْهُ وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ الْوَحْيِ، وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا دَلِيلَ عَلَى امْتِنَاعِ صُدُورِ الْكَبِيرَةِ قَبْلُ يُوجِبُ النَّفْرَةَ كَعُهْرِ الْأُمَّهَاتِ، وَالصَّغَائِرِ الدَّالَّةِ عَلَى الْخِسَّةِ، وَمَنَعَ الشِّيعَةُ صُدُورَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ، وَذَهَبَ الْمُعْتَزِلَةُ إِلَى امْتِنَاعِهَا لِأَنَّهَا تُوجِبُ النَّفْرَةَ الْمَانِعَةَ عَنِ اتِّبَاعِهِ فَتَفُوتُ مَصْلَحَةُ الْبَعْثَةِ، وَالْحَقُّ مِنْهُ مَا الْوَحْيُ وَبَعْدَهُ لَكِنَّهُمْ جَوَّزُوا الْكُفْرَ تُقْيَةً قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَمَا نُقِلَ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِمَّا يُشْعِرُ بِكَذِبٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ، فَمَا كَانَ مَنْقُولًا بِطَرِيقِ الْآحَادِ فَمَرْدُودٌ، وَمَا كَانَ بِطَرِيقِ التَّوَاتُرِ فَمَصْرُوفٌ عَنْ ظَاهِرِهِ إِنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَمَحْمُولٌ عَلَى تَرْكِ الْأَوْلَى، أَوْ كَوْنِهِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي الْكُتُبِ الْمَبْسُوطَةِ، وَقِيلَ: تَعْلِيمًا لِأُمَّتِهِ أَوِ اسْتِغْفَارًا لَهُمْ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ) أَيْ مِنَ الذُّنُوبِ أَوْ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute