للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[بَابٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ]

[٤٨] بَابٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

١٤٥٣ - عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ، قَالَ: رَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا وَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

[٤٨]- بَابٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ

بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَيُكْسَرُ، وَبِتَشْدِيدِ الْيَاءِ عَلَى مَا فِي الْأُصُولِ الْمُصَحَّحَةِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَبِتَخْفِيفِهَا، فَمُحْتَاجٌ إِلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ أَوْ دَلِيلٍ صَحِيحٍ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: فِي الْأُضْحِيَّةِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ، وَهِيَ اسْمٌ لِلْمَذْبُوحِ يَوْمَ النَّحْرِ، الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ: أُضْحِيَّةٌ وَإِضْحِيَّةٌ، بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا، وَجَمْعُهَا أَضَاحِيٌّ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ، الثَّالِثَةُ: ضَحِيَّةٌ، وَجَمْعُهَا ضَحَايَا، وَالرَّابِعَةُ: أَضْحَاةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَالْجَمْعُ أَضْحَى، كَأَرْطَأَةَ وَأَرْطَى، وَبِهَا سُمِّيَ يَوْمُ الْأَضْحَى، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ تُفْعَلُ فِي الضُّحَى، وَفِي الْأَضْحَى لُغَتَانِ: التَّذْكِيرُ لُغَةُ قَيْسٍ، وَالتَّأْنِيثُ لُغَةُ تَمِيمٍ، وَهُوَ مُنْصَرِفٌ ذَكَرَهُ السَّيِّدُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْأُضْحِيَّةُ مَا يُذْبَحُ يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، وَبِهِ سُمِّيَ يَوْمُ الْأَضْحَى، وَيُقَالُ: ضَحَّى بِكَبْشٍ أَوْ غَيْرِهِ إِذَا ذَبَحَهُ وَقْتَ الضُّحَى مِنْ أَيَّامِ الْأَضْحَى، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى قِيلَ ذَلِكَ وَلَوْ ذَبَحَ آخِرَ النَّهَارِ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: تَسْمِيَةُ الْأُضْحِيَّةِ بِهَا فِي الشَّرْعِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ صَلَاتِنَا هَذِهِ فَلْيُعِدْ» اهـ.

وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: ٢] أَيْ: صَلِّ صَلَاةَ الْعِيدِ، وَانْحَرِ النُّسُكَ، كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مُفَسِّرُونَ، وَاخْتُلِفَ هَلْ هِيَ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ؟ فَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَصَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ: هِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُقِيمِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ، وَاعْتَبَرَ فِي وُجُوبِهَا النِّصَابَ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَدَلِيلُنَا مَا جَاءَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ مَخَافَةَ أَنْ يَرَى النَّاسُ ذَلِكَ وَاجِبًا، وَفِيهِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمَا مَا كَانَا مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ، وَتَعْلِيلُهَا وَقَعَ لِتَوَهُّمِ عُمُومِ الْوُجُوبِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ مُوَاظَبَتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَشْرَ سِنِينَ مُدَّةَ إِقَامَتِهِ بِالْمَدِينَةِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيمَا سَبَقَ: فَلْيَذْبَحْ أُخْرَى مَكَانَهَا فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي الشَّرْعِ الْأَمْرُ بِالْإِعَادَةِ إِلَّا لِلْوُجُوبِ، وَحَمْلُهُ عَلَى النَّدْبِ كَمَا فَعَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ مَرْدُودٌ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ الْوُجُوبَ خَبَرُ: «مَنْ وَجَدَ سَعَةً لِأَنْ يُضَحِّيَ فَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَحْضُرْ مُصَلَّانَا» وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَمَرْفُوعٌ ; لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْمَوْقُوفِ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

١٤٥٣ - (عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ضَحَّى) مِنَ التَّضْحِيَّةِ أَيْ: ذَبَحَ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ الْأُضْحِيَّةَ. (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَبْشَيْنِ) فِي الْقَامُوسِ: الْكَبْشُ: الْحَمَلُ إِذَا أَثْنَى، أَوْ إِذَا خَرَجَتْ رُبَاعِيَّتُهُ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الذَّكَرَ أَفْضَلُ مِنَ الْأُنْثَى ; فَإِنَّ لَحْمَهُ أَطْيَبُ. (أَمْلَحَيْنِ) : أَفْعَلُ مِنَ الْمُلْحَةِ، وَهِيَ بَيَاضٌ يُخَالِطُهُ السَّوَادُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ. وَقِيلَ: بَيَاضُهُ أَكْثَرُ مِنْ سَوَادِهِ، وَقِيلَ: هُوَ النَّقِيُّ الْبَيَاضِ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُ عَائِشَةَ: هُوَ الَّذِي يَنْظُرُ فِي سَوَادٍ، وَيَأْكُلُ فِي سَوَادٍ، وَيَمْشِي فِي سَوَادٍ، وَيَبْرَكُ فِي سَوَادٍ. تَعْنِي: أَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ مِنْ بَدَنِهِ سُودٌ، وَبَاقِيهِ أَبْيَضُ. وَرَوَى أَحْمَدُ، وَالْحَاكِمُ خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ: «لَدَمُ عَفْرَاءَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ دَمِ سَوْدَاوَيْنِ» ، وَمُنَازَعَةُ الْبُخَارِيِّ فِي رَفْعِهِ لَا تَضُرُّ ; لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَا يَقُولُهُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ، فَلَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: فَلَوْ تَعَارَضَ اللَّوْنُ وَطِيبُ اللَّحْمِ، فَرِعَايَةُ طِيبِهِ أَفْضَلُ. فَمَرْدُودٌ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ ; لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مُجَرَّدِ اللَّوْنِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَمِّيَّةِ اللَّحْمِ وَكَيْفِيَّتِهِ، مَعَ أَنَّ فِي الْكَثْرَةِ زِيَادَةُ مَنْفَعَةِ الْفُقَرَاءِ، فَالْأَمْرُ تَعْبُدِيٌّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (أَقْرَنَيْنِ) أَيْ: طَوِيلَيِ الْقَرْنِ أَوْ عَظِيمَيْهِمَا، وَقِيلَ: ذَوَيْ قَرْنٍ. (ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ) : وَهُوَ الْمُسْتَحَبُّ لِمَنْ يَعْرِفُ آدَابَ الذَّبْحِ، وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلْيَحْضُرْ عِنْدَ الذَّبْحِ لِلْخَبَرِ الْحَسَنِ، بَلْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِفَاطِمَةَ: قُومِي إِلَى أُضْحِيَّتِكِ فَاشْهَدِيهَا ; فَإِنَّهُ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا يُغْفَرُ لَكِ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِكِ. وَفِي

<<  <  ج: ص:  >  >>