للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهَذَا مِنْ أَبِي سَعِيدٍ رَدٌّ لِمَا حُكِيَ: أَنَّ عُثْمَانَ قَدَّمَ الْخُطْبَةَ شَطْرَ خِلَافَتِهِ الْأَخِيرَ، وَأَنَّ عُمَرَ وَمُعَاوِيَةَ قَدَّمَاهَا أَيْضًا، وَمِمَّا رَدَّ ذَلِكَ أَيْضًا مَا صَحَّ «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: شَهِدْتُ صَلَاةَ الْفِطْرِ مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَكُلُّهُمْ يُصَلِّيهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ» ، وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ قَدَّمَهَا مُعَاوِيَةُ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ وَأَئِمَّةِ الْفَتْوَى، وَهُوَ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ، إِلَّا مَا رُوِيَ: أَنَّ عُثْمَانَ فِي شَطْرِ خِلَافَتِهِ الْأَخِيرِ قَدَّمَ الْخُطْبَةَ ; لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ تَفُوتُهُ الصَّلَاةُ. وَرُوِيَ مِثْلُهُ - عَنْ عُمَرَ، وَلَيْسَ يَصِحُّ عَنْهُ، وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ قَدَّمَهَا مُعَاوِيَةُ، وَقِيلَ: مَرْوَانُ بِالْمَدِينَةِ، وَقِيلَ: زِيَادٌ بِالْبَصْرَةِ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، وَقِيلَ: فَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ آخِرَ أَيَّامِهِ، وَقَدْ عَدَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْخِلَافِ، أَوْ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى خِلَافِ بَنِي أُمَيَّةَ بَعْدَ إِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَالصَّدْرِ الْأَوَّلِ.

(فَخَرَجْتُ) أَيْ: لِصَلَاةِ الْعِيدِ. (مُخَاصِرًا) : حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ. (مَرْوَانَ) : مَفْعُولُهُ. وَفِي النِّهَايَةِ: الْمُخَاصَرَةُ: أَنْ يَأْخُذَ رَجُلٌ بِيَدِ رَجُلٍ آخَرَ وَهُمَا مَاشِيَانِ، وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ خَصْرِ صَاحِبِهِ. (حَتَّى أَتَيْنَا الْمُصَلَّى، فَإِذَا كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ) أَيْ: ابْنُ مَعْدِي كَرِبَ الْكَنَدِيُّ، وُلِدَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَسَمَّاهُ كَثِيرًا، وَكَانَ اسْمُهُ قَلِيلًا، رَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ. (قَدْ بَنَى) : يَحْتَمِلُ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ. (مِنْبَرًا مِنْ طِينٍ وَلَبِنٍ) : بِكَسْرِ الْبَاءِ: الْآجُرُّ قَبْلَ الطَّبْخِ ; لِتَكُونَ الْخُطْبَةُ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ السُّنَّةُ فِي الْجُمُعَةِ، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا صَحَّ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا أَنْكَرَ النَّاسُ عَلَى مَرْوَانَ إِخْرَاجَهُ مِنْبَرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمُصَلَّى لِيَخْطُبَ عَلَيْهِ ; وَلِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بِأَنَّ الْإِخْرَاجَ كَانَ أَوَّلًا، ثُمَّ بَنَاهُ مَبْنِيًّا عَلَى إِنْكَارِ النَّاسِ ; لِأَنَّهُ أَهْوَنُ وَأَحْسَنُ. (فَإِذَا مَرْوَانُ) : هِيَ كَالَّتِي قَبْلَهَا لِلْمُفَاجَأَةِ أَيْ: فَاجَأَ مَكَانَ الْمِنْبَرِ زَمَانَ الْإِتْيَانِ وَالْمُنَازَعَةِ، وَقَوْلُهُ: (يُنَازِعُنِي) أَيْ: يُجَاذِبُنِي. (يَدُهُ) : بِالرَّفْعِ: بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ، وَيُنْصَبُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ، كَمَا مَرَّ فِيهِ: يُنَازِعُنِي الْقُرْآنَ. (كَأَنَّهُ يَجُرُّنِي نَحْوَ الْمِنْبَرِ) وَإِنَّمَا قَالَ: كَأَنَّهُ ; لِأَنَّ قَصْدَهُ الذَّاتِيَّ إِنَّمَا هُوَ التَّوَجُّهُ إِلَى الْمِنْبَرِ، وَجَرُّهُ تَابِعِيٌّ عَارِضِيٌّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: (وَأَنَا أَجُرُّهُ نَحْوَ الصَّلَاةِ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ) أَيْ: عَزْمَهُ الْمُنْجَرَّ إِلَى الْإِصْرَارِ، وَعَدَمِ الِانْقِيَادِ بِالِانْجِرَارِ. (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ مَرْوَانَ حَيْثُ لَمْ يَنْفَعِلْ بِالْفِعْلِ. (قُلْتُ) أَيْ: لَهُ. (أَيْنَ الِابْتِدَاءُ بِالصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: لَا) أَيْ: لَا يُبْتَدَأُ بِالصَّلَاةِ أَوَّلًا، يَعْتَقِدُ أَنَّ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ هُوَ السُّنَّةُ. (يَا أَبَا سَعِيدٍ، قَدْ تُرِكَ مَا تَعْلَمُ) أَيْ: مَا عَلِمْتَ مِنْ تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُطْبَةِ، وَقَدْ أَتَيْنَا بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ أَجَابَهُ بِمَا أَجَابَهُ قَالَهُ الطِّيبِيُّ.

أَقُولُ: لَا حَاجَةَ إِلَى تَقْدِيرِ هَذَا الْقَوْلِ ; فَإِنَّهُ يَعْتَبَرُ لُزُومًا مِنْ تَرْكِ شَيْءٍ اخْتِيَارُ شَيْءٍ آخَرَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ الْمَقَالَ بِلِسَانِ الْحَالِ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ أَنَّهُ تُرِكَ مَا تَعْلَمُ مِنْ تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ، وَصَارَتِ السُّنَّةُ وَالْخَيْرُ الْآنَ تَقَدُّمُ الْخُطْبَةِ لِأَجْلِ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي طَرَأَتْ، وَهِيَ انْفِضَاضُ النَّاسِ قَبْلَ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ لَوْ أُخِّرَتْ. (قُلْتُ: كَلَّا) : رَدْعٌ، أَوْ مَعْنَاهُ حَقًّا، وَفِي أَصْلِ ابْنِ حَجَرٍ: لَا. أَيْ: لَا تَكُونُ السُّنَّةُ ذَلِكَ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَةِ وَالدِّرَايَةِ، ثُمَّ أَغْرَبَ، وقَدَّرَ بَعْدَ قَوْلِهِ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) لِتَصْحِيحِ كَلَامِهِ، وَلَكِنْ مِنْ شَأْنِ أَكْثَرِكُمْ مَعْشَرَ أُمَرَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ أَنَّكُمْ. (لَا تَأْتُونَ) أَيْ: فِيمَا تُحْدِثُونَهُ مِنَ الْبِدَعِ. (بِخَيْرٍ مِمَّا أَعْلَمُ) : لِأَنِّي عَالِمٌ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَبِسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِهِ، وَإِحْدَاثُكُمْ لِذَلِكَ وَنَحْوِهِ شَرٌّ أَيُّ شَرٍّ، وَزَعْمُكُمْ أَنَّكُمْ لَوْ أَخَّرْتُمُ الْخُطْبَةَ لَمْ يَسْمَعْهَا النَّاسُ، إِنَّمَا هُوَ لِجَوْرِكُمْ، وَسُوءِ صَنِيعِكُمْ، وَظُلْمِكُمْ لِلرَّعِيَّةِ، حَتَّى صَارُوا فِي غَايَةٍ مِنَ التَّنَفُّرِ عَنْكُمْ، وَفِي نِهَايَةٍ مِنَ الْكَرَاهَةِ لِسَمَاعِ كَلَامِكُمْ. (ثَلَاثَ مِرَارٍ) : بِرَاءَيْنِ أَيْ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَإِنَّمَا كَرَّرَهُ لِيَنْزَجِرَ عَنْ إِحْدَاثِهِ. (ثُمَّ انْصَرَفَ) أَيْ: أَبُو سَعِيدٍ، وَلَمْ يَحْضُرِ الْجَمَاعَةَ تَقْبِيحًا لِفِعْلِ مَرْوَانَ وَتَنْفِيرًا عَنْهُ، وَقِيلَ: انْصَرَفَ مِنْ جِهَةِ الْمِنْبَرِ إِلَى جِهَةِ الصَّلَاةِ لِمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: أَنَّهُ صَلَّى مَعَهُ، وَكَلَّمَهُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَفْظُهُ: فَإِذَا مَرْوَانُ يُرِيدُ أَنْ يَرْتَقِيَهُ فَجَذَبْتُ ثَوْبَهُ فَجَذَبَنِي فَارْتَقَى فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَقُلْتُ لَهُ: غَيَّرْتُمْ وَاللَّهِ، فَقَالَ: أَبَا سَعِيدٍ، قَدْ ذَهَبَ مَا تَعْلَمُ، فَقُلْتُ: مَا أَعْلَمُ وَاللَّهِ، خَيْرٌ مِمَّا لَا أَعْلَمُ، فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَجْلِسُونَ لَنَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَجَعَلْنَاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ اهـ.

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا حُكِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَمُعَاوِيَةَ، لَا يَصِحُّ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: لَوْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ خَالَفَ السُّنَّةَ، وَلَا يُعِيدُ الْخُطْبَةَ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) أَيْ: هَذَا السِّيَاقَ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ بِزِيَادَةٍ، ذَكَرَهُ مِيْرَكُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>