للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[كِتَابُ الصَّلَاةِ]

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٥٦٤ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ ; مُكَفِّرَاتٌ لَمَّا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ

ــ

(٤) كِتَابُ الصَّلَاةِ

فِي عَوَارِفِ الْمَعَارِفِ مَا مَعْنَاهُ: إِنَّ اشْتِقَاقَ الصَّلَاةِ مِنَ الصَّلْيِ، وَهُوَ دُخُولُ النَّارِ، وَالْخَشَبَةُ إِذَا تَعَوَّجَتْ عُرِضَتْ عَلَى النَّارِ فَتُقَوَّمُ، وَفِي الْعَبْدِ اعْوِجَاجٌ لِوُجُودِ نَفْسِهِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ، وَالْمُصَلِّي يُصِيبُهُ مِنْ وَهَجِ السَّطْوَةِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْعَظَمَةِ الرَّبَّانِيَّةِ مَا يَزُولُ بِهِ اعْوِجَاجُهُ، فَهُوَ كَالْمَصْلِيِّ بِالنَّارِ، وَمَنِ اصْطَلَى بِنَارِ الصَّلَاةِ وَزَالَ بِهَا اعْوِجَاجُهُ لَا يُعْرَضُ بِالنَّارِ ثَانِيَةً إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ، نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ الْأَزْهَارِ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٥٦٤ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ ") : أَيْ: بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ (وَالْجُمُعَةُ) : بِضَمِّ الْمِيمِ وَتُسَكَّنُ أَيْ: صَلَاتُهَا (إِلَى الْجُمُعَةِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: إِلَى مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَصْدَرِ، أَيْ: مُنْتَهِيَةٌ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَالْأَظْهَرُ مُنْضَمَّةٌ، وَعَلَى هَذَا قَوْلِهِ: (وَرَمَضَانُ) : أَيْ: صَوْمُهُ (إِلَى رَمَضَانَ) : وَقَوْلِهِ (مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ) : خَبَرٌ عَنِ الْكُلِّ، وَمَا بَيْنَهُنَّ مَعْمُولٌ لِاسْمِ الْفَاعِلِ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ. وَفِي الْمَصَابِيحِ: مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ بِالْإِضَافَةِ وَغَيْرِهَا، وَالتَّكْفِيرُ: التَّغْطِيَةُ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَحْوُ، وَقَوْلُهُ: " إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ " عَلَى صِيغَةِ الْمَاضِي الْمَجْهُولِ شَرْطٌ، جَزَاؤُهُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ، إِنَّمَا ذَهَبْنَا إِلَى أَنَّ الصَّلَاةَ إِلَى الصَّلَاةِ مُكَفِّرَةٌ مَا بَيْنَهُمَا دُونَ خَمْسِ صَلَوَاتٍ، لِمَا يَرِدُ مِنَ الْحَدِيثِ الْآتِي، قَالَهُ الطِّيبِيُّ. يَعْنِي: إِذَا اجْتَنَبَ الْمُصَلِّي وَالصَّائِمُ عَنِ الْكَبَائِرِ حَتَّى لَوْ أَتَاهَا لَمْ يُغْفَرْ شَيْءٌ مِمَّا بَيْنَهُنَّ. قَالَ تَعَالَى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتَكُمْ} [النساء: ٣١] قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ، وَإِنْ قَالَ بِهِ التُّورِبِشْتِيُّ وَالْحُمَيْدِيُّ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمَا فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ، بَلْ مَنْسُوبٌ إِلَى الْمُعْتَزِلَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ، فَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ ; لِأَنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ يَأْبَاهُ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ مَا بَيْنَهُنَّ مِنَ الذُّنُوبِ كُلَّهَا مُغْفَرَةٌ إِلَّا الْكَبَائِرَ لَا يُكَفِّرُهَا إِلَّا التَّوْبَةُ، أَوْ فَضْلُ اللَّهِ تَعَالَى، هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ اهـ.

وَمُنَازَعَةُ ابْنِ حَجَرٍ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِمَا قَدَّمْنَا. قَالَ الشَّيْخُ الْكِلَابَاذِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ مِنَ الْكَبَائِرِ أَيْ فِي الْآيَةِ: الشِّرْكُ وَجَمَعَهُ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ، أَوْ يُقَالُ: جَمَعَهُ لِيُوَافِقَ الْخِطَابَ ; لِأَنَّ الْخِطَابَ وَرَدَ عَلَى الْجَمْعِ ; لِقَوْلِهِ: إِنْ تَجْتَنِبُوا فَكَبِيرَةُ كُلِّ وَاحِدٍ إِذَا ضُمَّتْ إِلَى كَبِيرَةِ صَاحِبِهِ صَارَتْ كَبَائِرَ. اهـ.

وَفِيهِ أَنَّهُ يَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إِلَى تَقْدِيرِ إِنْ شَاءَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونُ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨] وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْكَبَائِرَ عَلَى مَعْنَاهَا الْمُتَعَارَفِ، وَالْمَعْنَى: إِنْ تَجْتَنِبُوا عَنْهَا نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ بِالطَّاعَاتِ، كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ مِيرَكُ: وَلَمْ يَقُلْ فِي الْحَدِيثِ: إِنْ مَكَانَ إِذَا ; لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ الِاجْتِنَابُ عَنِ الْكَبَائِرِ. اهـ.

وَالْأَظْهَرُ أَنَّ إِذَا لِمُجَرَّدِ الظَّرْفِيَّةِ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ: " إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ " وَقْتَ اجْتِنَابِهَا وَخُرُوجِهَا عَمَّا بَيْنَهُنَّ؛ إِذِ الْمُرَادُ بِهَا أَنَّهَا لَا تُكَفَّرُ، قِيلَ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ اجْتِنَابُهَا مُدَّةَ تِلْكَ السَّيِّئَةِ الْمَذْكُورَةِ مُطْلَقًا، لَكِنَّ ظَاهِرَ خَبَرِ مُسْلِمٍ مَا لَمْ يُؤْتَ كَبِيرَةً اشْتِرَاطُ أَنْ لَا يَأْتِيَ كَبِيرَةً مِنْ حِينِ فِعْلِ الْمُكَفِّرِ إِلَى مَوْتِهِ، ثُمَّ مَا أَفَادَهُ الْحَدِيثُ مِنْ أَنَّ الْكَبِيرَةَ لَا يُكَفِّرُهَا الصَّلَوَاتُ وَالصَّوْمُ، وَكَذَا الْحَجُّ، وَإِنَّمَا يُكَفِّرُهَا التَّوْبَةُ الصَّحِيحَةُ لَا غَيْرُهَا. نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ بَعْدَمَا حَكَى فِي تَمْهِيدِهِ عَنْ بَعْضِ حَاضِرِيهِ أَنَّ الْكَبَائِرَ يُكَفِّرُهَا غَيْرُ التَّوْبَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا جَهْلٌ، وَمُوَافَقَةٌ لِلْمُرْجِئَةِ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّهُ لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ، وَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ. قَالَ: وَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمُوا لَمْ يَكُنْ لِلْأَمْرِ بِالتَّوْبَةِ مَعْنًى، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهَا فَرْضٌ، وَالْفُرُوضُ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهَا إِلَّا بِالْقَصْدِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>