رِوَايَةٌ صَحِيحَةٌ: كُلُّ ذَنْبٍ عَمَلْتِيهِ. قَالَ الْمُظْهِرُ فِيهِ: أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَذْبَحَ كُلُّ وَاحِدٍ الْأُضْحِيَّةَ بِيَدِهِ ; لِأَنَّ الذَّبْحَ عِبَادَةٌ، وَالْعِبَادَةُ أَصْلُهَا أَنْ يُبَاشِرَ كُلٌّ بِنَفْسِهِ وَلَوْ وَكَّلَ غَيْرَهُ جَازَ اهـ.
وَلَعَلَّ وَجْهَ تَعَدُّدِهِمَا مَا يَأْتِي: أَنَّهُ ذَبَحَ وَاحِدًا عَنْ نَفْسِهِ وَآلِهِ، وَوَاحِدًا عَنْ أَمَتِهِ. (وَسَمَّى النَّبِيُّ وَكَبَّرَ) أَيْ: قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَالْوَاوُ الْأُولَى لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ، فَإِنَّ التَّسْمِيَةَ قَبْلَ الذَّبْحِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّسْمِيَةَ شَرْطٌ عِنْدَنَا، وَالتَّكْبِيرَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْكُلِّ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ فِيهِ: إِنَّهُ يَنْبَغِي لِلذَّابِحِ مُطْلَقًا أَنْ يُسَمِّيَ وَلَمْ يَجِبْ ذَلِكَ عِنْدَنَا ; لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ أَبَاحَ الْمَذْبُوحَ مَعَ ذِكْرِهِمْ لَهُ أَنَّهُمْ شَاكُّونَ فِي أَنَّ ذَابِحَهُ سَمَّى أَوْ لَا، فَمَدْفُوعٌ ; لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَلَ عَلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ أَنَّهُ لَا يَذْبَحُ إِلَّا مُسَمِّيًا، وَأَنَّ الشَّكَّ لَا يَضُرُّهُ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَذْهَبَنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} [الأنعام: ١١٨] وَ: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: ١٢١] ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ آكِلَ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ غَيْرُ فَاسِقٍ. فَمَرْدُودٌ ; فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَئِمَّتُنَا. ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمِنَ الْحَدِيثِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ قَوْلَهُ: وَيُخْتَارُ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَنْ يُكَبِّرَ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ وَبَعْدَهَا ثَلَاثًا اهـ. وَهُوَ غَرِيبٌ لِمُخَالَفَتِهِ الْحَدِيثَ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ تَقْدِيمُ التَّكْبِيرِ عَلَى التَّسْمِيَةِ، وَالثَّانِي: التَّثْلِيثُ آخِرًا. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجْرٍ بِالْقِيَاسِ عَلَى تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ، فَبُعْدُهُ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى اهْتِمَامٍ بِمَعْرِفَةِ الْقِيَاسِ صِحَّةً وَفَسَادًا، ثُمَّ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الذَّبْحِ، وَخَالَفَهُمُ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ: إِنَّهُ يُسَنُّ.
(قَالَ) أَيْ: أَنَسٌ. (رَأَيْتُهُ) : - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَاضِعًا) : حَالٌ. (قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا) : جَمْعُ صَفْحٍ بِالْفَتْحِ وَسُكُونِ الْفَاءِ، وَهُوَ الْجَنْبُ، وَقِيلَ: جَمْعُ صَفْحَةٍ وَهُوَ عُرْضُ الْوَجْهِ، وَقِيلَ: نَوَاحِي عُنُقِهَا. وَفِي النِّهَايَةِ: صَفْحُ كُلِّ شَيْءٍ جِهَتُهُ وَنَاحِيَتُهُ. (وَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ) : وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ إِتْيَانَ الْوَاوِ الْعَاطِفَةِ أَوِ الْحَالِيَّةِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا، وَصَحَّ خَبَرُ: الْأُضْحِيَّةُ الْكَبْشُ الْأَقْرَنُ، وَوَرَدَ النَّهْيُ عَنِ التَّضْحِيَةِ بِمَكْسُورِ الْقَرْنِ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ ضَعِيفًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute