وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْفَأْلَ مَحْضُ خَيْرٍ، كَمَا أَنَّ الطِّيَرَةَ مَحْضُ شَرٍّ، فَالتَّرْكِيبُ مِنْ قَبِيلِ الْعَسَلِ أَحْلَى مِنَ الْخَلِّ، وَالشِّتَاءُ أَبْرَدُ مِنَ الصَّيْفِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: الضَّمِيرُ الْمُؤَنَّثُ رَاجِعٌ إِلَى الطِّيَرَةِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهَا فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} [الفرقان: ٢٤] أَوْ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى زَعْمِهِمْ، أَوْ هُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِهِمْ: الصَّيْفُ أَحَرُّ مِنَ الشِّتَاءِ أَيِ الْفَأْلُ فِي بَابِهِ أَبْلَغُ مِنَ الطِّيَرَةِ فِي بَابِهَا. (قَالُوا: وَمَا الْفَأْلُ) ؟ وَإِنَّمَا نَشَأَ هَذَا السُّؤَالُ لِمَا فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ عُمُومِ الطِّيَرَةِ الشَّامِلِ لِلتَّشَاؤُمِ وَالتَّفَاؤُلِ الْمُتَعَارَفِ فِيمَا بَيْنَهُمْ. (قَالَ) : إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ فَرْدٌ خَاصٌّ خَارِجٌ عَنِ الْعُرْفِ الْعَامِّ مُعْتَبَرٌ عِنْدَ خَوَاصِّ الْأَنَامِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: (الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ) : أَيِ الطِّيبَةُ الصَّالِحَةُ، لِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْهَا الْفَأْلُ الْحَسَنُ (يَسْمَعُهَا) : أَيْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ (أَحَدُكُمْ) . أَيْ عَلَى قَصْدِ التَّفَاؤُلِ كَطَالِبِ ضَالَّةٍ يَا وَاجِدٌ، وَكَتَاجِرٍ يَا رَزَاقٌ، وَكَمُسَافِرٍ يَا سَالِمٌ، وَكَخَارِجٍ لِحَاجَةٍ يَا نَجِيحٌ، وَكَغَازٍ يَا مَنْصُورٌ، وَكَحَاجٍّ يَا مَبْرُورٌ، وَكَزَائِرٍ يَا مَقْبُولٌ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ أَوْ حَالٌ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَمَعْنَى التَّرَخُّصِ فِي الْفَأْلِ وَالْمَنْعِ مِنَ الطِّيَرَةِ، هُوَ أَنَّ الشَّخْصَ لَوْ رَأَى شَيْئًا وَظَنَّهُ حَسَنًا وَحَرَّضَهُ عَلَى طَلَبِ حَاجَتِهِ، فَلْيَفْعَلْ ذَلِكَ، وَإِذَا رَأَى مَا بَعْدَهُ مَشْؤُمًا وَيَمْنَعُهُ مِنَ الْمُضِيِّ إِلَى حَاجَتِهِ فَلَا يَجُوزُ قَبُولُهُ، بَلْ يَمْضِي لِسَبِيلِهِ، فَإِذَا قَبَلَ وَانْتَهَى عَنِ الْمُضِيِّ فِي طَلَبِ حَاجَتِهِ فَهُوَ الطِّيَرَةُ لِأَنَّهَا اخْتَصَّتْ أَنْ تُسْتَعْمَلَ فِي الشُّؤْمِ. قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} [يس: ١٨] أَيْ: تَشَاءَمْنَا. وَقَالَ: {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} [يس: ١٩] أَيْ: سَبَبُ شُؤْمِكُمْ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute