للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: الْمُؤْمِنُ فِي الْعُرْفِ مَنْ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ، وَمَنْ غَلَّ كَأَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْهُ لِعَدَمِ جَرْيِهِ عَلَى مُوجِبِ تَصْدِيقِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ زَجْرًا لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقُونَ مِنَ الذُّنُوبِ، وَبِالدُّخُولِ بِلَا عَذَابٍ، وَقَوْلُهُ: " إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَعْضَ مَنْ يُعَذَّبُ فِي النَّارِ يَدْخُلُهَا، وَيُعَذَّبُ فِيهَا قَبْلَ الْقِيَامَةِ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ ; لِأَنَّ النُّصُوصَ شَاهِدَةٌ عَلَى أَنَّ دُخُولَ النَّارِ حَقِيقَةً يَكُونُ بَعْدَ الْحَشْرِ، فَتُحْمَلُ هَذِهِ الرُّؤْيَةُ عَلَى وَجْهِ التَّمْثِيلِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ سَيَكُونُ كَذَلِكَ، كَمَا مُثِّلَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُخُولُ بِلَالٍ فِي الْجَنَّةِ قَبْلَ مَوْتِهِ، نَعَمْ عَذَابُ الْقَبْرِ حَقٌّ، لَكِنَّهُ نَوْعٌ آخَرُ لَا بِهَذَا الْوَجْهِ.

قُلْتُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْكَلَامِ مَجَازٌ أَيْ: عَلِمْتُهُ فِي الْمَعْصِيَةِ الْمُوجِبَةِ لِلنَّارِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ - وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ - يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ} [الانفطار: ١٣ - ١٥] وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالنَّارِ نَارُ الْبَرْزَخِ، كَمَا فِي حَدِيثِ: " «الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النِّيرَانِ» "، أَوِ الرُّؤْيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْكَشْفِ وَالْمُشَاهَدَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَآلَهُ إِلَى النَّارِ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: الْكَلَامُ فِي الشَّهَادَةِ لَا فِي الْإِيمَانِ فَمَا مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ؟ قُلْتُ: هُوَ تَغْلِيظٌ وَارِدٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ يَعْنِي جَزَمْتُمْ أَنَّهُ مِنَ الشُّهَدَاءِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فَدَعُوا هَذَا الْكَلَامَ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي إِيمَانِهِ زَجْرًا وَرَدْعًا عَنِ الْغُلُولِ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنَّهُ انْكَشَفَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فِي النَّارِ، وَمَا انْكَشَفَ لَهُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَحَقِيقَةُ الشَّهَادَةِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْإِيمَانِ، كَمَا أَنَّ دُخُولَ الْجَنَّةِ مُتَفَرِّعٌ عَلَيْهِ، فَلَا يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِالشَّهَادَةِ. لَا سِيَّمَا وَقَدْ ظَهَرَ مِنْهُ بَعْضُ أَسْبَابِ الشَّقَاوَةِ، وَإِنْ كَانَ حَصَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَحْوَالِ السَّعَادَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>