الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٦٨٩ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ، دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا وَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي قُبُلِ الْكَعْبَةِ، وَقَالَ: (هَذِهِ الْقِبْلَةُ» ) . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
٦٩٠ - وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ.
ــ
٦٨٩ - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ) أَيِ: الْكَعْبَةَ، وَهُوَ بَيْتُ اللَّهِ الْحَرَامُ وَقِبْلَةُ الْمَسَاجِدِ الْعِظَامِ، وَأَفْضَلُ مَسَاجِدِ الْأَنَامِ، وَقِيلَ: أَفْضَلُ مِنْ عَرْشِ اللَّهِ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ. . (دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا وَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ: عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ النَّفْلِ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ ; لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَاخْتُلِفَ فِي الْفَرْضِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى جَوَازِهِ، وَمَنَعَ مِنْهُ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَحَكَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْفَرْضُ وَالنَّفْلُ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قُلْتُ: فِي اسْتِدْلَالِهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الصَّلَاةِ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَأَمَّا مَنْعُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ الْفَرْضَ دُونَ النَّفْلِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: ١٤٤] أَيْ: قُبَالَتَهُ، وَمَنْ فِيهِ مُسْتَدْبِرٌ لِبَعْضِهِ، فَلَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ لِحُصُولِ التَّعَارُضِ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّى الْفَرْضَ دَاخِلَهُ، وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّى النَّفْلَ ; إِذْ يُسَامَحُ فِي النَّافِلَةِ مَا لَا يُسَامَحُ فِي الْفَرِيضَةِ، وَأَمَّا تَعْلِيلُ ابْنِ حَجَرٍ فِي تَصْوِيرِ اسْتِدْلَالِهِمَا بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كُلُّهُ قُبَالَتَهُ، ثُمَّ رَدُّهُ وَتَزْيِيفُهُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى خَارِجَهَا وَاسْتَقْبَلَ بَعْضَهَا فَقَطْ جَازَ - فَمُدْخَلٌ وَمَعْلُولٌ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى الْأَخْذِ بِرِوَايَةِ بِلَالٍ لِأَنَّهُ مُثْبَتٌ وَمَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ، وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ أَيِ: الْمَعْهُودَةُ، يَعْنِي لَا اللُّغَوِيَّةُ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ كَمَا قِيلَ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: نَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى. وَأَمَّا نَفْيُ أُسَامَةَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اشْتُغِلَ بِالدُّعَاءِ وَلَمْ يَشْعُرْ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا بِلَالٌ فَقَدْ تَحَقَّقَهَا. (فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ) أَيْ: صَلَّى (رَكْعَتَيْنِ فِي قُبُلِ الْكَعْبَةِ) : بِضَمِّهِمَا وَيُسَكَّنُ الثَّانِي أَيْ: مُقَدَّمِهَا، وَالْقُبُلُ خِلَافُ الدُّبُرِ يَعْنِي: مُسْتَقْبِلٌ بَابَ الْكَعْبَةِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: قِيلَ مَعْنَاهُ مُقَابِلَهَا، وَقِيلَ مَا اسْتَقْبَلَكَ مِنْهَا، وَهُوَ وَجْهُهَا الَّذِي فِيهِ الْبَابُ، وَيُؤَيِّدُ الثَّانِي رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ، وَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُسَنُّ لِمَنْ خَرَجَ مِنَ الْكَعْبَةِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فِي وَجْهِهَا اقْتِدَاءً بِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوْ لَا؟ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِنَّمَا صَلَّى لِيُبَيِّنَ انْحِصَارَ الْقِبْلَةِ فِي عَيْنِ الْكَعْبَةِ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُ الرَّاوِي: (وَقَالَ: (هَذِهِ) أَيِ: الْكَعْبَةُ وَهِيَ الْبُقْعَةُ الَّتِي فِيهَا الْبِنَاءُ (الْقِبْلَةُ) سُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يُقَابِلُهَا - يَعْنِي الْمُشَارَ إِلَيْهِ - الْقِبْلَةُ فَلَا يُنْسَخُ إِلَى غَيْرِهَا فَصَلُّوا إِلَى الْكَعْبَةِ أَبَدًا. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ هَذِهِ الْكَعْبَةُ هِيَ الْقِبْلَةُ لَا غَيْرُهَا كَمَا أَفَادَهُ تَعْرِيفُ الْجُزْأَيْنِ، وَهِيَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ الَّذِي أُمِرْتُمْ بِاسْتِقْبَالِهِ فِي الْآيَةِ، لَا الْمَسْجِدُ حَوْلَهَا وَلَا كُلُّ الْحَرَمِ، وَخَبَرُ الْبَيْهَقِيِّ فِي سُنَنِهِ: «الْبَيْتُ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ» ، وَالْمَسْجِدُ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْحَرَمِ، وَالْحَرَمُ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ ضَعِيفٌ اهـ. وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ فِي مَذْهَبِنَا، وَأَمَّا مَا اشْتُهِرَ مِنْ فِعْلِ الدَّاخِلِينَ أَنَّهُمْ يَطُوفُونَ بَعْدَ دُخُولِهَا فَلَا أَصْلَ لَهُ، بَلْ يَتَأَكَّدُ فِي حَقِّهِمْ إِذَا دَخَلُوا الْمَسْجِدَ أَنْ يَطُوفُوا أَوَّلًا ثُمَّ يَدْخُلُوا ثَانِيًا، وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مَقَامِ الْإِمَامِ، وَاسْتِقْبَالُهُ الْكَعْبَةَ مِنْ وَجْهِ الْكَعْبَةِ دُونَ أَرْكَانِهَا وَجَوَانِبِهَا الثَّلَاثَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُجْزِئَةً قَالَهُ الطِّيبِيُّ. قُلْتُ: هَذَا إِنَّمَا يَتِمُّ فِي الْجُمْلَةِ لَوْ كَانَ صَلَّى صَلَاةَ فَرْضٍ جَمَاعَةً. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) قِيلَ: فِي رِوَايَتِهِ تَوَهُّمُ إِرْسَالٍ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَكُنْ مَعَ النَّبِيِّ فِي حِينِ دَخَلَ، وَلَعَلَّ الْعُذْرَ يُقَالُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَتَعَدُّدِ دُخُولِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَوْ أَنَّ الْكَاتِبَ أَسْقَطَ مِنْهُ الَّذِي رَوَى عَنْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَوْ يُقَالُ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعَ مَنْ دَخَلَ الْكَعْبَةَ، لَكِنَّهُ لَمْ يَشْعُرْ بِالصَّلَاةِ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. وَقَالَ مِيرَكُ: وَفِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ نَظَرٌ يُعْرَفُ بِالتَّأَمُّلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَدَّمُوا رِوَايَةَ بِلَالٍ ; لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ وَتِلْكَ نَافِيَةٌ، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ لِزِيَادَةِ عِلْمِهِ، وَلِأَنَّ رُوَاتَهَا أَكْثَرُ، وَالْكَثْرَةُ تُفِيدُ التَّرْجِيحَ فِي الرِّوَايَةِ، وَلِاضْطِرَابِ تِلْكَ فَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ» . وَالدَّارَقُطْنِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَهُ وَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ» ، وَلِأَنَّ خَبَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا أُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ لِأَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ أَخِيهِ الْفَضْلِ، كَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ فَهُوَ لَمْ يَرْوِ عَنْ مُشَاهَدَتِهِ وَمُشَافَهَتِهِ، بَلْ عَنْ غَيْرِهِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: فِي كَوْنِ الْحَدِيثِ مُرْسَلًا بَحْثٌ.
٦٩٠ - (وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ) : أَيْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ) : قَالَ مِيرَكُ: وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute