مَسْبُوقٌ بِالذَّنْبِ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَعَلَيْهِ جَمْعٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ) وَذَكَرُهُ النَّوَوِيُّ فِي الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ، قَالَهُ مِيرَكُ. (وَالتِّرْمِذِيُّ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُولُ: حَدِيثُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ: حَدِيثُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَصَحُّ. وَذَكَرَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَثْبُتُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَا حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي هَذَا. اهـ. نَقَلَهُ مِيرَكُ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَبِهِ اسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي " الْأُمِّ " مِنْ أَنَّ الْأَذَانَ أَفْضَلُ مِنَ الْإِمَامَةِ، وَعِبَارَتُهُ: وَأُحِبُّ الْأَذَانَ لِحَدِيثِ: " «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ» " وَأَكْرَهُ الْإِمَامَةَ لِلضَّمَانِ، وَمَا عَلَى الْإِمَامِ فِيهَا، وَإِنَّمَا اسْتَدَلُّوا بِهِ مَعَ ضَعْفِهِ لِأَنَّهُ اعْتَضَدَ بِرِوَايَةٍ صَحَّحَهَا ابْنُ حِبَّانَ وَالْعُقَيْلِيُّ، وَإِنْ أَعَلَّهَا ابْنُ الْمَدِينِيِّ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ، «الْأَئِمَّةُ ضُمَنَاءُ، وَالْمُؤَذِّنُونَ أُمَنَاءُ، فَأَرْشَدَ اللَّهُ الْأَئِمَّةَ وَغَفَرَ لِلْمُؤَذِّنِينَ» اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ الدُّعَاءَ بِالْإِرْشَادِ أَعْلَى مِنَ الدُّعَاءِ بِالْمَغْفِرَةِ ; لِأَنَّ الْغُفْرَانَ يَسْتَدْعِي سَبْقَ ذَنْبٍ، وَالْإِرْشَادَ يَسْتَدْعِي وُصُولَ الْبُغْيَةِ. وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: " إِنَّهُ مَمْنُوعٌ فِيهِمَا كَمَا هُوَ جَلِيٌّ " - مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ غَيْرُ خَفِيٍّ، فَضْلًا عَنْ أَنَّهُ جَلِيٌّ، بَلْ إِنَّهُ بَدِيهِيٌّ لَا نَظَرِيٌّ، وَأَغْرَبَ الْمَاوَرْدِيُّ. فِي تَوْجِيهِهِ حَيْثُ قَالَ: دَعَا لِلْإِمَامِ بِالْإِرْشَادِ خَوْفَ تَقْصِيرِهِ، وَلِلْمُؤَذِّنِ بِالْمَغْفِرَةِ لِعِلْمِهِ بِسَلَامَةِ حَالِهِ، وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي فَضِيلَةِ الْأَذَانِ مِمَّا تَقَدَّمَ وَيَأْتِي، وَنَحْوَ خَبَرِ أَحْمَدَ: " «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا لَهُمْ فِي التَّأْذِينِ لَتَضَارَبُوا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ» "، فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْأَذَانِ خِلَافًا لِمَا وَهَمَ ابْنُ حَجَرٍ، وَأَمَّا خَبَرُ الْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ هُوَ وَابْنُ شَاهِينَ: " «إِنَّ خِيَارَكُمْ عِبَادُ اللَّهِ الَّذِينَ يُرَاعُونَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ وَالْأَظِلَّةَ لِذِكْرِ اللَّهِ» "، فَلَا خُصُوصِيَّةَ لَهُ بِالْمُؤَذِّنِ عَلَى مَا فَهِمَ ابْنُ حَجَرٍ، وَأَمَّا مَا صَحَّ عَنْ عُمَرَ: لَوْ كُنْتُ أُطِيقُ الْأَذَانَ مَعَ الْخَلِيفِيِّ لَأَذَّنْتُ، فَمُرَادُهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْأَذَانِ كَمَا ذُكِرَ، بَلْ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْإِمَامِ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ: ( «لِيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» ) . وَحَدِيثُ النَّسَائِيِّ: ( «لِيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قِرَاءَةً لِلْقُرْآنِ» ) وَحَدِيثُ ابْنِ عَدِيٍّ ( «لِيَؤُمَّكُمْ أَحْسَنُكُمْ وَجْهًا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَكُونَ أَحْسَنَكُمْ خُلُقًا» ) . وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ، وَابْنِ مَاجَهْ ( «يُؤَذِّنُ لَكُمْ خِيَارُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ قُرَّاؤُكُمْ» ) فَالْمُرَادُ بِالْخِيَارِ الصُّلَحَاءُ، وَبِالْقُرَّاءِ الْعُلَمَاءُ، وَالْعُلَمَاءُ أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلِأَنَّ الْقِيَامَ بِحُقُوقِ الْإِمَامَةِ أَشَقُّ فَهُوَ أَفْضَلُ مَآبًا وَأَجْزَلُ ثَوَابًا، وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ الْقِيَامِ بِحَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ آخَرِينَ حَيْثُ قَالُوا: إِنْ قَامَ بِحُقُوقِ الْإِمَامَةِ فَهِيَ أَفْضَلُ، وَإِلَّا فَالْأَذَانُ أَفْضَلُ، إِذْ لَا يَصِحُّ هَذَا الْإِطْلَاقُ، وَالْعَجَبُ مِنَ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّهُ حَرَّرَهُ وَقَرَّرَهُ. (وَالشَّافِعِيُّ) وَلَعَلَّ تَأْخِيرَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَنِ الْمُخَرِّجِينَ الْمَذْكُورِينَ، مَعَ أَنَّهُ أَجَلُّ مِنْهُمْ رِوَايَةً وَدِرَايَةً بِاعْتِبَارِ صِحَّةِ أَسَانِيدِ كُتُبِهِمْ وَاشْتِهَارِهَا وَقَبُولِ الْعَامَّةِ لَهَا. أَمَا تَرَى أَنَّ الْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا يَتَقَدَّمَانِ عَلَيْهِ، بَلْ عَلَى أُسْتَاذِهِ الْإِمَامِ مَالِكٍ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِقُوَّةِ صِحَّةِ كِتَابَيْهِمَا، وَتَلَقِّي الْأُمَّةِ لَهُمَا بِالْقَبُولِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إِنَّمَا أَخَّرَهُ عَنْهُمْ مَعَ أَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ تَلَامِذَتِهِ، أَوْ تَلَامِذَةِ تَلَامِذَتِهِ، لِيُفِيدَ أَنَّ لَهُ رِوَايَةً أُخْرَى، وَلِذَا قَالَ: (وَفِي أُخْرَى) أَيْ: رِوَايَةٍ (لَهُ) أَيْ لِلشَّافِعِيِّ (بِلَفْظِ: الْمَصَابِيحِ) وَهُوَ: " «الْأَئِمَّةُ ضُمَنَاءُ وَالْمُؤَذِّنُونَ أُمَنَاءُ فَأَرْشَدَ اللَّهُ الْأَئِمَّةَ وَغَفَرَ لِلْمُؤَذِّنِينَ» " قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: الضُّمَنَاءُ جَمْعُ الضَّمِينِ بِمَعْنَى الضَّامِنِ، وَالْأُمَنَاءُ جَمْعُ أَمِينٍ، وَتَفْسِيرُ ابْنِ حَجَرٍ لَفْظَ الْمَصَابِيحِ بِقَوْلِهِ: " وَهُوَ أَرْشَدَ اللَّهُ إِلَخْ " تَقْصِيرٌ مِنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute