للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٧٤٤ - وَعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ نَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ، فَحَصَبَنِي رَجُلٌ، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ فَجِئْتُهُ بِهِمَا فَقَالَ مِمَّنْ أَنْتُمَا - أَوْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا -؟ قَالَا: مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ، قَالَ: لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَأَوْجَعْتُكُمَا ; تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

٧٤٤ - (وَعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كُنْتُ نَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ) : وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: قَائِمًا، قَالَ مِيرَكُ: نَقْلًا عَنِ الشَّيْخِ، كَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ بِالْقَافِ، وَفِي رِوَايَةٍ: نَائِمًا، وَيُؤَيِّدُهَا رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ بِلَفْظِ: مُضْطَجِعًا (فَحَصَبَنِي رَجُلٌ) ، أَيْ: رَجَمَنِي بِالْحَصْبَاءِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ الصِّغَارُ (فَنَظَرْتُ، فَإِذَا) وَفِي نُسْخَةٍ بِزِيَادَةِ (هُوَ) ، أَيِ: الرَّجُلُ الْحَاصِبُ (عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ) ، أَيِ: الرَّجُلَيْنِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا (فَجِئْتُهُ بِهِمَا فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتُمَا؟) أَيْ: مِنْ أَيِّ قَبِيلَةٍ وَجَمَاعَةٍ (أَوْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا؟) ، أَيْ: مِنْ أَيِّ بَلَدٍ (قَالَا: مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ) : وَهُوَ يَصْلُحُ جَوَابًا لِكُلٍّ مِنَ السُّؤَالَيْنِ (قَالَ: لَوْ كُنْتُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَأَوْجَعْتُكُمَا) : إِذْ لَا عُذْرَ لَكُمَا حِينَئِذٍ قَالَهُ الطِّيبِيُّ، يَعْنِي: أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَعْرِفُونَ حُرْمَةَ مَسْجِدِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَلَا يُسَامَحُونَ مُسَامَحَةَ الْغُرَبَاءِ، إِذْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونُوا قَرِيبِي الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ، وَبِمَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ، قَالَ مِيرَكُ: وَزَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ جَلْدًا أَيْ ضَرْبًا بِالْجَلْدِ، وَمِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ تَبَيَّنَ كَوْنُ هَذَا الْحَدِيثِ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ ; لِأَنَّ عُمَرَ لَا يَتَوَعَّدُهُمَا بِالْجَلْدِ إِلَّا عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرٍ تَوْقِيفِيٍّ، (تَرْفَعَانِ) : جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لِلْبَيَانِ، وَقِيلَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُمَا قَالَا: لِمَ تُرَجِّعُنَا ; قَالَ: لِأَنَّكُمَا تَرْفَعَانِ، وَقَوْلُهُ: (أَصْوَاتَكُمْ) : قَالَ الْمَالِكِيُّ: الْمُضَافُ الْمُثَنَّى مَعْنًى إِذَا كَانَ جُزْءَ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ يَجُوزُ إِفْرَادُهُ نَحْوُ: أَكَلْتُ رَأْسَ شَاتَيْنِ، وَجَمْعُهُ أَجْوَدُ نَحْوُ: (صَغَتْ قُلُوبُكُمَا) ، وَالتَّثْنِيَةُ مَعَ أَصَالَتِهَا قَلِيلَةُ الِاسْتِعْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُزْأَهُ، فَالْأَكْثَرُ مَجِيئُهُ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ نَحْوِ: سَلَّ الزَّيْدَانِ سَيْفَيْهِمَا، وَإِنْ أُمِنَ اللَّبْسُ جَازَ جَعْلُ الْمُضَافِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ كَمَا فِي: يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا كَذَا نَقَلَهُ مِيرَكُ، وَفِيهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَصْوَاتِ هُنَا الْجَمْعُ حَقِيقَةً إِذْ لِكُلِّ حَرْفٍ صَوْتٌ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ إِلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟) ، أَيْ: خُصُوصًا إِذْ مَعَ شَرَافَتِهِ لَهُ زِيَادَةُ مَزِيَّةٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي قَبْرِهِ حَيٌّ، وَقَالَ تَعَالَى: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: ٢] ، قَالَ النَّوَوِيُّ: يُكَرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ بِالْعِلْمِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ بِالْعِلْمِ ; فَقَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ بِعَلَمٍ وَلَا بِغَيْرِهِ، وَلَقَدْ أَدْرَكْتُ النَّاسَ قَدِيمًا يَعِيبُونَ ذَلِكَ عَلَى مَا يَكُونُ بِمَجْلِسِهِ، وَأَنَا أَكْرَهُ ذَلِكَ، وَلَا أَدْرِي فِيهِ خَيْرًا.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا رَافِعًا صَوْتَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ أَنْتَ ; قَالَ وَقَالَ قَوْمٌ: لَا كَرَاهِيَةَ فِيهِ، مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ، وَاحْتَجُّوا بِمَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: ( «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» ) ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْمَسْجِدِ، بَلْ سِيَاقُهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ كَانُوا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ، نَعَمْ صَحَّ «عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَابْنِ أَبِيِ حَيْدَرٍ فِي دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ أَنَّهَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقَالَ: ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ الشَّطْرَ» ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَرَكَ الْإِنْكَارَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْكَرَاهِيَةِ اهـ، كَلَامُهُ.

وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ: مِنْهَا نِسْبَةُ نَفْيِ مُطَلَّقِ الْكَرَاهِيَةِ إِلَى الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ، وَهُوَ افْتِرَاءٌ عَلَيْهِ إِذْ مَذْهَبُهُ كَرَاهِيَةُ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ بِالذِّكْرِ، نَعَمْ جَوَّزَ التَّدْرِيسَ فِي الْمَسْجِدِ وَالْبَحْثِ فِيهِ، حَيْثُ لَمْ يُشَوِّشْ عَلَى الْمُصَلِّينَ أَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُصَلُّونَ، وَمِنْهَا: إِسْنَادُ الِاحْتِجَاجِ إِلَيْهِ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّهُ لَوْ فُرِضَ كَوْنُهُ فِي الْمَسْجِدِ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى نَفْيِ الْكَرَاهِيَةِ مُطْلَقًا إِذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يُشْعِرُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ، وَعَلَى التَّسْلِيمِ فِي الْمُنْكَرِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ بِرَفْعِ الصَّوْتِ لَا يُكْرَهُ إِجْمَاعًا، وَمِنْهَا: جَوَابُهُ عَنْ حَدِيثِ كَعْبٍ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ بُعْدٍ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} [الحجرات: ٢] الْآيَةَ، (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>