للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٧٤٦ - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ، فَقَامَ فَحَكَّهَا بِيَدِهِ، فَقَالَ: (إِنَّ أَحَدَكُمْ، إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ، وَإِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ ; فَلَا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ) ، ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ، ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، فَقَالَ: (أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا» ) ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

٧٤٦ - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُخَامَةً) : بِالضَّمِّ (فِي الْقِبْلَةِ) ، أَيْ: جِدَارِ الْمَسْجِدِ الَّذِي يَلِي الْقِبْلَةَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الْمِحْرَابَ الَّذِي يُسَمِّيهِ النَّاسُ قِبْلَةً ; لِأَنَّ الْمَحَارِيبَ مِنَ الْمُحْدَثَاتِ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمِنْ ثَمَّ ذَكَرَ جَمْعٌ مِنَ السَّلَفِ اتِّخَاذَهَا وَالصَّلَاةَ فِيهَا قَالَ الْقُضَاعِيُّ: وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ - يَوْمَئِذٍ عَامِلٌ لِلْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلَكِ عَلَى الْمَدِينَةِ لَمَّا أَسَّسَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَدَمَهُ، وَزَادَ فِيهِ: وَيُسَمَّى مَوْقِفُ الْإِمَامِ مِنَ الْمَسْجِدِ مِحْرَابًا لِأَنَّهُ أَشْرَفُ مَجَالِسِ الْمَسْجِدِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْقَمَرِ مِحْرَابٌ، لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْمَنَازِلِ، وَقِيلَ: الْمِحْرَابُ مَجْلِسُ الْمَلِكِ سُمِّي بِهِ لِانْفِرَادِهِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ مِحْرَابُ الْمَسْجِدِ لِانْفِرَادِ الْإِمَامِ فِيهِ، وَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يُحَارِبُ فِيهِ الشَّيْطَانَ قَالَ الطِّيبِيُّ: النُّخَامَةُ الْبُزَاقَةُ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ أَقْصَى الْحَلْقِ، وَمِنْ مَخْرَجِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ الْآتِي: فَلَا يَبْزُقَنَّ، لَكِنَّ قَوْلَهُ: مِنْ أَقْصَى الْحَلْقِ غَيْرُ صَحِيحٍ إِذِ الْخَاءُ الْمُعْجَمَةُ مَخْرَجُهَا أَدَقُّ الْحَلْقِ، وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ: النُّخَاعَةُ وَالنُّخَامَةُ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْخَيْشُومِ عِنْدَ التَّنَحْنُحِ، وَفِي الْقَامُوسِ: النُّخَاعَةُ وَالنُّخَامَةُ أَوْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْخَيْشُومِ، (فَشَقَّ) ، أَيْ: صَعُبَ (ذَلِكَ) ، أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنْ رُؤْيَةِ النُّخَامَةِ (عَلَيْهِ حَتَّى رُئِيَ) ، أَيْ: أَثَرُ الْمَشَقَّةِ إِلَى وَجْهِهِ) : وَهُوَ مَجْهُولُ رَأْيٍ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الضَّمِيرُ الَّذِي أُقِيمَ مَقَامَ الْفِعْلِ رَاجِعٌ إِلَى مَعْنَى قَوْلِهِ: فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْكَرَاهِيَةُ (فَقَامَ) ، بِنَفْسِهِ الشَّرِيفَةِ (فَحَكَّهُ بِيَدِهِ) : اللَّطِيفَةِ عِوَضًا مِنْ أُمَّتِهِ الضَّعِيفَةِ، إِشَارَةً إِلَى أَنَّ سَيِّدَ الْقَوْمِ خَادِمُهُمْ، وَتَوَاضُعًا لِرَبِّهِ جَلَّ حَقُّهُ، وَمَحَبَّةً لِبَيْتِهِ [فَقَالَ: ( «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ» ) ، أَيْ: دَخَلَ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ (فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ) ، أَيْ: يُخَاطِبُهُ بِلِسَانِ الْقَائِلِ كَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَبِلِسَانِ الْحَالِ كَأَنْوَاعِ أَحْوَالِ الِانْتِقَالِ، وَلِذَا قِيلَ: الصَّلَاةُ مِعْرَاجُ الْمُؤْمِنِ ( «وَإِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ» ) : فِي شَرْحِ السُّنَّةِ مَعْنَاهُ: أَنْ يَقْصِدَ رَبَّهُ تَعَالَى بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْقِبْلَةِ، فَيَصِيرُ بِالتَّقْدِيرِ كَانَ مَقْصُودٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَأَمَرَ أَنْ تُصَانَ تِلْكَ الْجِهَةُ عَنِ الْبَزَّارِ نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ. (فَلَا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ) : أَيْ: جِهَةَ (قِبْلَتِهِ) : لِأَنَّهُمَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ، وَالْبُزَاقُ إِلَى الْقِبْلَةِ دَائِمًا مَمْنُوعٌ فَالشَّرْطِيَّةُ لِإِفَادَةِ زِيَادَةِ الْقُبْحِ (وَلَكِنْ) ، أَيْ: لِيَبْصُقْ (عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ) ، أَيِ: الْيَسَارِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: الْأَمْرُ بِالْبُصَاقِ عَنْ يَسَارِهِ وَتَحْتَ قَدَمِهِ فِيمَا إِذَا كَانَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَبْصُقُ إِلَّا فِي ثَوْبِهِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى شَيْءٍ لَهُ مَفْرُوشٍ فِيهِ، فَلَهُ الْبُزَاقُ عَلَيْهِ فِي جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ ; لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّ الْبُزَاقَ إِنَّمَا يَنْزِلُ عَلَى فِرَاشِهِ، وَلَا يُصِيبُ أَجْزَاءَ الْمَسْجِدِ مِنْهُ شَيْءٌ.

وَمَا ذَكَرَهُ مَفْهُومٌ مِنِ انْطِلَاقِ قَوْلِهِ: إِلَّا فِي ثَوْبِهِ، فَلَيْسَ فِيهِ نَظَرٌ صَحِيحٌ كَمَا هُوَ صَرِيحٌ، فَتَأَمَّلْ، وَتَصْوِيرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَخْذِ رِدَائِهِ وَالِاقْتِصَادِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَفْرِشُونَ تَحْتَهُمْ مِنْ ثِيَابِهِمْ شَيْئًا. (ثُمَّ أَخَذَ) ، أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ) ، أَيْ: بَزَقَ فِيهِ (ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ) ، أَيْ: بَعْضَ رِدَائِهِ (عَلَى بَعْضٍ فَقَالَ: أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا) ، أَيْ: مِثْلَ هَذَا الَّذِي فَعَلْتُهُ، وَإِذَا فَعَلَ فَلْيَكُنْ فِي جِهَةِ الْيُسْرَى، (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

) .

<<  <  ج: ص:  >  >>