السَّيِّئَاتِ (وَتَرْحَمَنِي) : بِقَبُولِ مَا صَدَرَ عَنِّي مِنَ الْعِبَادَاتِ (وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً) ، أَيْ: ضَلَالَةً أَوْ عُقُوبَةً (فِي قَوْمٍ) ، أَيْ: جَمْعٍ أَوْ قَبِيلَةٍ (فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ) ، أَيْ: وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى طَلَبِ الْعَافِيَةِ وَاسْتِدَامَةِ السَّلَامَةِ إِلَى حُسْنِ الْخَاتِمَةِ (وَأَسْأَلُكَ حُبَّكَ) قَالَ الطِّيبِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: أَسْأَلُكَ حُبَّكَ إِيَّايَ، أَوْ حُبِّيَ إِيَّاكَ، أَقُولُ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَوَّلَ أَكْمَلُ فَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ، قَالَ تَعَالَى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: ٥٤] قَالَ الطِّيبِيُّ: وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُهُ: (وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ) : وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِضَافَةَ هُنَا إِلَى الْمَفْعُولِ أَنْسَبُ لِأَنَّهُ إِلَى التَّوَاضُعِ أَقْرَبُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إِلَى حُبِّكَ) : فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ طَالِبٌ لِمَحَبَّتِهِ لِيَعْمَلَ حَتَّى يَكُونَ وَسِيلَةً إِلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ إِيَّاهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى أَقْصَى مَا يُمْكِنُ مِنَ الْمَحَبَّةِ فِي الطَّرَفَيْنِ، وَلَعَلَّ السِّرَّ فِي تَسْمِيَتِهِ بِحَبِيبِ اللَّهِ لَا يَخْلُو مِنْ هَذَا الْقَوْلِ اهـ.
وَقَوْلُهُ: لَا يَخْلُو ظَاهِرٌ، وَلَا يَخْلُو مِنِ احْتِمَالٍ آخَرَ، [فَـ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إِنَّهَا) أَيْ: هَذِهِ الرُّؤْيَا (حَقٌّ) ، رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ، فَادْرُسُوهَا، أَيْ فَاحْفَظُوا أَلْفَاظَهَا الَّتِي ذَكَرْتُهَا لَكُمْ فِي ضِمْنِهَا، أَوْ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ حَقٌّ فَادْرُسُوهَا، أَيِ: اقْرَءُوهَا ثُمَّ تَعَلَّمُوهَا أَيْ مَعَانِيَهَا الدَّالَّةَ هِيَ عَلَيْهَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: لِتَعْلَمُوهَا فَحَذَفَ اللَّامَ أَيْ لَامَ الْأَمْرِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، أَيْ لِذَاتِهِ، صَحِيحٌ لِغَيْرِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: أَوْ صَحِيحٌ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ التَّرْدِيدِ، أَيْ لِلتَّنْوِيعِ يَعْنِي هُوَ عِنْدَ قَوْمٌ حَسَنٌ، وَعِنْدَ آخَرِينَ صَحِيحٌ، وَيُؤَيِّدُهُ سُؤَالُهُ الْبُخَارِيَّ وَجَوَابُهُ الْآتِي.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ لَهُ إِسْنَادَانِ، هُوَ بِأَحَدِهِمَا حَسَنٌ وَبِالْآخَرِ صَحِيحٌ، أَوْ أَرَادَ بِالْحُسْنِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ مَا تَمِيلُ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَلَا تَأْبَاهُ، وَسَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ أَيِ الْبُخَارِيَّ صَاحِبَ الصَّحِيحِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْ إِسْنَادِهِ فَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute