عَوْرَةٌ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَالذِّرَاعُ عَوْرَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّ فِي الْمُقَدَّمَيْنِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا لَيْسَتَا بِعَوْرَةٍ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ، وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ظَهْرِ الْكَفِّ وَبَطْنِهِ، خِلَافًا لِمَا قِيلَ: إِنَّ بَطْنَهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَظَهْرَهُ عَوْرَةٌ، قُلْتُ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يُؤَيِّدُ مَا قِيلَ: وَقَالَ فِي الْخَانِيَةِ: الصَّحِيحُ أَنَّ انْكِشَافَ رُبُعِ الْقَدَمِ يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ الَّتِي هِيَ عَوْرَةٌ، (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) ، أَيْ: مَرْفُوعًا مَالَ: وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ مَوْقُوفًا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ ذَكَرَهُ مِيرَكُ، (وَذَكَرَ) ، أَيْ: أَبُو دَاوُدَ (جَمَاعَةً) ، أَيْ: مِنَ الرُّوَاةِ (وَقَفُوهُ) ، أَيِ: الْحَدِيثَ (عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ) : قَالَ الطِّيبِيُّ، أَيْ: ذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ، أَوْ أَحَدُ الرُّوَاةِ جَمَاعَةً مِنَ الْمُحْدَثِينَ وَقَفُوا هَذَا الْحَدِيثَ وَقَصَرَهُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ اهـ.
قُلْتُ: الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ بِلَفْظِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا، وَلَعَلَّ الْمَوْقُوفَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَذَكَرَ هُوَ أَنَّ جَمَاعَةً وَقَفُوهُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، وَحِينَئِذٍ لَا يَضُرُّ وَقْفُهُمْ لَهُ عَلَيْهَا ; لِأَنَّ مَنْ رَفَعَهُ مَعَهُ زِيَادَةُ عَلَمٍ فَيُقَدَّمُ، وَأَيْضًا هَذَا الْمَوْقُوفُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الرَّأْيِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: ( «عَوْرَةُ الْمُؤْمِنِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إِلَى رُكْبَتِهِ» ) ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُؤْمِنِ لِلْغَالِبِ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ رَجُلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ إِلَّا أَنَّ لَهُ شَوَاهِدَ تَجْبُرُهُ وَهِيَ أَحَادِيثُ أَرْبَعَةٌ بِمَعْنَاهُ، وَقِيلَ: (الْعَوْرَةُ السَّوْأَتَانِ فَقَطْ لِمَا فِي مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: كَانَ مَكْشُوفَ الْفَخِذِ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَلَمْ يَسْتُرْهُ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَسَتَرَهُ» ، وَرَدُّوهُ بِأَنَّ الْمَكْشُوفَ حَصَلَ الشَّكُّ فِيهِ فِي مُسْلِمٍ هَلْ هُوَ السَّاقُ أَوِ الْفَخِذُ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْجَزْمُ بِجَوَازِ كَشْفِ الْفَخِذِ، وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَهِيَ وَاقِعَةُ حَالٍ احْتَمَلَتْ أَنَّ الْمَكْشُوفَ مِنْ نَاحِيَتِهِ لَا مِنْ نَاحِيَتِهِمَا.
قُلْتُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ حَصَلَ الْكَشْفُ لَهُ حَالَةَ الِاسْتِغْرَاقِ وَالسَّتْرِ بَعْدَمَا أَفَاقَ، وَأَمَّا فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ، «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَجْرَى فَرَسَهُ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ، ثُمَّ حَسِرَ الْإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ الشَّرِيفِ حَتَّى رَآهُ أَنَسٌ» ، فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ انْحَسَرَ بِنَفْسِهِ لِأَجْلِ الْإِجْرَاءِ لِرِوَايَتِهِمَا أَيْضًا، فَانْحَسَرَ الْإِزَارُ، وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ ثَلَاثِ طُرُقٍ قَالَ فِي كُلٍّ مِنْهَا: أَنَّهُ حَسَنٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، قَالَ لِجَرْهَدٍ، بِجِيمٍ وَهَاءٍ مَفْتُوحَتَيْنِ: غَطِّ فَخِذَكَ ; لِأَنَّ الْفَخِذَ مِنَ الْعَوْرَةِ، وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ سَتْرُ عَوْرَتِهِ وَإِنْ كَانَ خَالِيًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: " «لَا تَمْشُوا عُرَاةً» "، وَلِخَبَرِ أَحْمَدَ وَالْأَرْبَعَةِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ: ( «احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا؟ قَالَ: (اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ» ) ، ثُمَّ الْعَارِي وَالْمُسْتِرُ وَإِنِ اسْتَوَيَا فِي نَظَرِ اللَّهِ إِلَيْهِمَا، إِلَّا أَنَّهُ يَرَى الثَّانِي مُتَأَدِّبًا، وَالْأَوَّلَ تَارِكًا لِلْأَدَبِ اهـ.
وَقَوْلُهُ: " يَجِبُ " لَا يَصِحُّ عَلَى إِطْلَاقِهِ أَوْ يُقَالُ: الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْذُورَاتِ لِمَا جَاءَ: أَنَّ التَّسْمِيَةَ تَسَتُّرُ الْعَوْرَةَ عَنْ أَعْيُنِ الْجِنِّ، وَالْأَمْرُ اسْتِحْبَابُ التَّسَتُّرِ حَالَةَ الْخَلَاءِ لَا الْوُجُوبُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute