وَقَوْلُهُ: (مِنْ قَلْبِهِ) صِفَةُ " صِدْقًا "؛ لِأَنَّ الصِّدْقَ قَدْ لَا يَكُونُ مِنْ قَلْبِ أَيِّ اعْتِقَادٍ كَقَوْلِ الْمُنَافِقِ: إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ، أَوْ يَكُونُ بِمَعْنَى " صَادِقًا " حَالٌ مِنْ فَاعِلِ يَشْهَدُ، وَخَبَرُ الْمُبْتَدَأِ قَوْلُهُ: (إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ، أَيْ مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ مُحَرَّمٌ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا مُحَرَّمًا عَلَى النَّارِ، وَالتَّحْرِيمُ بِمَعْنَى الْمَنْعِ، حُكِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ مِنْهُمُ ابْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْفَرَائِضِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ مَنْ قَالَ الْكَلِمَةَ وَأَدَّى حَقَّهَا وَفَرِيضَتُهَا فَيَكُونُ الِامْتِثَالُ وَالِانْتِهَاءُ مُنْدَرِجَيْنِ تَحْتَ الشَّهَادَتَيْنِ، وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ لِمَنْ قَالَهَا عِنْدَ النَّدَمِ وَالتَّوْبَةِ وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنَ الْإِتْيَانِ بِفَرْضٍ آخَرَ، وَهَذَا قَوْلُ الْبُخَارِيِّ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُرَادَ تَحْرِيمُ الْخُلُودِ. (قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ؟) : فِي وَضْعِ أُخْبِرُ مَوْضِعَ أُبَشِّرُ، تَجْرِيدٌ أَوْ رُجُوعٌ إِلَى أَصْلِ اللُّغَةِ أَوِ اكْتِفَاءٌ بِقَوْلِهِ: (فَيَسْتَبْشِرُوا) أَيْ يَفْرَحُوا بِحَيْثُ يَظْهَرُ أَثَرُ السُّرُورِ عَلَى بَشَرَتِهِمْ لِمَا فِيهِ مِنْ عِظَمِ الْعَفْوِ إِذَا لَمْ يَسْمَعُوا بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ (قَالَ: إِذًا يَتَّكِلُوا) إِذَنْ حَرْفُ جَوَابٍ وَجَزَاءٍ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ لِمَحْضِ الْجَوَابِ كَمَا هُنَا، أَيْ لَا تُخْبِرْهُمْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّكَ إِنْ أَخْبَرْتَهُمْ وَبِهَذِهِ الْبِشَارَةِ بَشَّرْتَهُمْ يَعْتَمِدُوا عَلَى أَلْطَافِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَيَتْرُكُوا حَقَّ الْعُبُودِيَّةِ فَيَنْجَرُّوا إِلَى نُقْصَانِ دَرَجَاتِهِمْ، وَتَنْزِلُ حَالَاتُهُمْ، وَهَذَا حُكْمُ الْأَغْلَبِ مِنَ الْعَوَامِّ، وَإِلَّا فَالْخَوَاصُّ كُلَّمَا بُشِّرُوا زَادُوا فِي الْعِبَادَةِ كَمَا وَقَعَ لِلْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ لَهُ: «أَتَقُومُ فِي اللَّيْلِ حَتَّى تَتَوَرَّمَ قَدَمَاكَ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكِ وَمَا تَأَخَّرَ؟ - أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا) » (فَأَخْبَرَ بِهَا) أَيْ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ، أَوِ الْقِصَّةِ، أَوِ الْبِشَارَةِ (مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ) : لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ضَمِيرَ مَوْتِهِ إِلَى مُعَاذٍ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(تَأْثَمًا) : مَفْعُولٌ لَهُ أَيْ تُجَنُّبًا، وَتَحَرُّزًا عَنْ إِثْمِ كَتْمِ الْعِلْمِ، إِذْ فِي الْحَدِيثِ: ( «مَنْ كَتَمَ عِلْمًا أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ» ) . (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute