للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

بِطَرَفٍ آخَرَ بِحَيْثُ لَا يَخَافُ عَلَيْهِ مِنَ الْوُقُوعِ لَا يَكُونُ مَكْرُوهًا ( «وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ» ) ، أَيْ: فَمَهُ فِي الصَّلَاةِ، كَانَتِ الْعَرَبُ يَتَلَثَّمُونَ بِالْعَمَائِمِ، وَيَجْعَلُونَ أَطْرَافَهَا تَحْتَ أَعْنَاقِهِمْ، فَيُغَطُّونَ أَفْوَاهَهُمْ كَيْلَا يُصِيبَهُمُ الْهَوَاءُ الْمُخْتَلِطُ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، فَنُهُوا عَنْهُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ حُسْنَ إِتْمَامِ الْقِرَاءَةِ وَكَمَالَ السُّجُودِ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: إِنْ عَرَضَ لَهُ التَّثَاؤُبُ جَازَ أَنْ يُغَطِّيَ فَمَهُ بِثَوْبٍ أَوْ يَدِهِ، لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِيهِ ذِكْرُ الطِّيبِيِّ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ النَّهْيِ اسْتِمْرَارُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَمِنَ الْجَوَازِ عُرُوضُهُ سَاعَةً لِعَارِضٍ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: يُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي أَنْ يُغَطِّيَ فَاهُ أَوْ أَنْفَهُ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ، إِلَّا عِنْدَ التَّثَاؤُبِ، وَالْأَدَبُ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ أَنْ يَكْظِمَهُ، أَيْ: يُمْسِكَهُ وَيَمْنَعَهُ مِنْ الِانْفِتَاحِ إِنْ قَدِرَ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: ( «إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ» ) ، وَفِي رِوَايَةٍ: ( «فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ، عَلَى فَمِهِ فَإِنَّ الشَّطِّيَّانَ يَدْخُلُ فِيهِ» ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ، «وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ أَوْ كُمَّهُ عَلَى فِيهِ» ، كَذَا رَوَى عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، قِيلَ: الْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ يَدَهُ الْيُسْرَى ; لِأَنَّهَا لِدَفْعِ الْأَذَى.

قُلْتُ: وَلَعَلَّ هَذَا فِي غَيْرِ حَالَةِ الْقِيَامِ عِنْدَ وَضْعِ الْيَدَيْنِ، فَيَضَعُ ظَهْرَ يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى فَمِهِ، (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، التِّرْمِذِيُّ) : وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي التِّرْمِذِيِّ: وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ التَّخْرِيجِ قَالَ: وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عِسْلٍ، وَهُوَ ابْنُ سُفْيَانَ التَّيْمِيُّ الْيَرْبُوعِيُّ، كُنْيَتُهُ أَبُو قُرَّةَ، ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا أَيْضًا، نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ التَّصْحِيحِ.

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِتَمَامِهِ، وَالتِّرْمِذِيُّ شَطْرَهُ الْأَوَّلَ، وَغَيْرُهُمَا، وَجُزْؤُهُ الْأَخِيرُ صَحِيحٌ كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا جُزْؤُهُ الْأَوَّلُ، عَنِ النَّهْيِ عَنِ السَّدْلِ فَضَعَّفَهُ كَثِيرُونَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الِاسْتِدْلَالِ عُمُومُ النَّهْيِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ عَنْ إِسْبَالِ الْإِزَارِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَئِمَّتُنَا: يُكْرَهُ إِطَالَةُ الثَّوْبِ عَنِ الْكَعْبَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يُصِبِ الْأَرْضَ مَا لَمْ يَقْصِدْ خُيَلَاءَ، وَإِلَّا حُرِّمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>