لِمَنْ فَرَّقَ (مُشَمِّرًا) ، أَيْ: مُسْرِعًا، وَالتَّشْمِيرُ ضَمُّ الذَّيْلِ وَرَفْعُهُ لِلْعَدْوِ، وَيُقَالُ: فُلَانٌ شَمَّرَ عَنْ سَاقٍ وَتَشَمَّرَ فِي أَمْرِهِ، أَيْ: خَفَّ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ رَافِعًا ثِيَابَهُ إِلَى نَحْوِ نِصْفِ سَاقَيْهِ، وَفِيهِ أَنَّ ثِيَابَهُ مَا كَانَتْ طَوِيلَةً حَتَّى يَرْفَعَهَا، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الشَّمَائِلِ وَغَيْرِهَا أَنَّ إِزَارَهُ كَانَ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ (صَلَّى إِلَى الْعَنَزَةِ بِالنَّاسِ) : أَيْ: إِمَامًا بِهِمْ (رَكْعَتَيْنِ) : إِمَّا صَلَاةَ الصُّبُحِ أَوْ غَيْرَهَا مِنَ الرُّبَاعِيَّةِ ; لِأَنَّهُ كَانَ مُسَافِرًا (وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ) : فِي الْعَطْفِ مُنَاسَبَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ (يَمُرُّونَ) : فِيهِ تَغْلِيبٌ لِلْعُقَلَاءِ (بَيْنَ يَدَيِ الْعَنَزَةِ) ، أَيْ: وَرَاءَهَا، وَالْحَالُ أَنَّهُ يُصَلِّي، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَمُرُّونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَيُوَافِقُ مَا يَأْتِي أَنَّ الصَّلَاةَ لَا يُبْطِلُهَا مُرُورُ شَيْءٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَمُرُّونَ أَمَامَهَا، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ إِذْ هُوَ الَّذِي يَحْتَاجُ الرَّأْيُ إِلَى التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلَيْسَ فِي ذِكْرِهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ فَائِدَتَهُ الْعِلْمُ بِأَنَّ الْمُرُورَ مِنْ وَرَاءِ السُّتْرَةِ جَائِزٌ، وَلَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي غَرْزِ الْعَنَزَةِ إِذَا كَانَ النَّاسُ يَمُرُّونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، بَلْ يَكُونُ عَبَثًا مَحْضًا، سِيَّمَا وَلَمْ يَذْكُرِ الرَّاوِي مَنْعَهُمْ مِنَ الْمُرُورِ لَا بِالْيَدِ وَلَا بِالتَّسْبِيحِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ، وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَالْمَعْنَى فِي طَلَبِ السُّتْرَةِ، مَنْعُهَا لِمَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَشَغَلَهُ عَمَّا هُوَ مَطْلُوبٌ مِنْهُ، مِنَ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ وَالْحُضُورِ وَالْمُرَاقَبَةِ وَسَيَأْتِي حَدِيثُ: «إِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةً فَلْيُصَلِّ وَلَا يُبَالِ مِنْ مُرٍّ وَرَاءَ ذَلِكَ» ، (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : قَالَ مِيرَكُ: وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute