وَاسْتَحْسَنَهُ النَّوَوِيُّ وَعِنْدَنَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِقْعَاءِ فِي الْجِلْسَتَيْنِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ فِيهِمَا، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: رِوَايَاتُ الْإِقْعَاءِ بِهَذَا الْمَعْنَى كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، وَلَيْسَ فِي النَّهْيِ عَنْهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ: أَحَادِيثُهُ مَعَ كَثْرَتِهَا لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ ثَابِتٌ، لَكِنْ قَالَ بِكَرَاهَتِهِ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَيُكَرَهُ الْجُلُوسُ فِي الصَّلَاةِ مَادًّا رِجْلَهُ وَمُتَرَبِّعًا، وَتَرَبُّعُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَقِيلَ: التَّرَبُّعُ أَفْضَلُ فِي الْجُلُوسِ الْبَدَلِ عَنِ الْقِيَامِ، وَنُقِلَ عَنِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَخْذًا مِنْ حَدِيثِ كَانَ يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا، وَقِيلَ: أَفْضَلُهَا التَّوَرُّكُ ; لِأَنَّهُ أَهْوَنُ، وَقِيلَ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا، أَفْضَلُهَا أَنْ يَنْصِبَ رُكْبَتَهُ الْيُمْنَى وَيَجْلِسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى ; لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْأَدَبِ كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَأَغْرَبَ مِنْ عَدَّهُ أَبْلَغَ فِي الْأَدَبِ، وَالْمُعْتَمَدُ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ الْأَفْضَلَ هُوَ الِافْتِرَاشُ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ هَيْئَةً أَحْسَنَ وَأَفْضَلَ وَأَبْلَغَ فِي الْأَدَبِ وَأَكْمَلَ لِدَوَامِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَيْهَا، وَحَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غَيْرُهَا إِلَّا التَّرَبُّعُ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَنْ عُذْرٍ، فَالْعُدُولُ عَنْ هَيْئَةِ جُلُوسِهِ إِلَى نَوْعٍ آخَرَ فِي غَايَةٍ مِنْ قِلَّةِ الْأَدَبِ، وَقِيلَ: الْإِقْعَاءُ أَنْ يَضَعَ وَرِكَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَيَنْصِبَ رُكْبَتَيْهِ بِحَيْثُ يَكُونُ قَدَمَاهُ عَلَيْهَا، وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّ سَبَبَ النَّهْيِ عَنْهُ مَا فِيهِ مِنَ التَّشَبُّهِ بِالْكِلَابِ وَالْقِرَدَةِ، وَقِيلَ: عُقْبَةُ الشَّيْطَانِ تَقْدِيمُ رِجْلٍ عَلَى أُخْرَى فِي الْقِيَامِ وَقِيلَ: هِيَ تَرْكُ عَقِبَيْهِ غَيْرَ مَغْسُولَيْنِ فِي الْوُضُوءِ، (وَيَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ) : أَيْ: فِي السُّجُودِ (الرَّجُلُ) ، أَيْ: لَا الْمَرْأَةُ ; لِأَنَّ مَبْنَى أَمْرِهَا عَلَى التَّسَتُّرِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: التَّقْيِيدُ بِالرَّجُلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَفْتَرِشُ (ذِرَاعَيْهِ) ، أَيْ: نَهَى عَنِ انْضِمَامِهِمَا بِالْأَرْضِ فِي السُّجُودِ (افْتِرَاشَ السَّبُعِ) ، أَيْ: كَافْتِرَاشِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّهَاوُنِ بِأَمْرِ الصَّلَاةِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَضَعَ كَفَّهُ وَيَرْفَعَ مِرْفَقَهُ عَنِ الْأَرْضِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمِنْهُ أَخَذَ أَئِمَّتُنَا أَنَّهُ يُسَنُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَرْفَعَ ذِرَاعَهُ عَنِ الْأَرْضِ، وَأَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى رَاحَتَيْهِ، وَجَاءَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَأَنَّهُ يُكْرَهُ بَسْطُهُمَا، وَيُوَافِقُهُ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ: وَلَا يَبْسُطُ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ، نَعَمْ إِنْ طَوَّلَ السُّجُودَ فَشَقَّ عَلَيْهِ اعْتِمَادُ كَفَّيْهِ، فَلَهُ بِلَا كَرَاهَةٍ وَضْعُ سَاعِدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لِخَبَرِ: «شَكَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَشَقَّةَ السُّجُودِ عَلَيْهِمْ قَالَ: " اسْتَعِينُوا بِالرُّكَبِ» " رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مَوْصُولًا وَرُوِيَ مُرْسَلًا وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَمَعَ ذَلِكَ يُعْمَلُ بِهِ لِأَنَّهُ فِي الْفَضَائِلِ، (وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلَاةَ) ، أَيْ: أَفْعَالَهَا (بِالتَّسْلِيمِ) : أَيْ: تَسْلِيمِ الْخُرُوجِ، وَالْخُرُوجُ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي فَرَضٌ عِنْدَنَا، وَبِلَفْظِ السَّلَامِ وَاجِبٌ، (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute