للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فِيهِ الزَّيْدِيَّةُ وَهُمْ لَا يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ، وَفِي الْأُمِّ يُكْرَهُ تَرْكُهُ، بَلْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَحْرُمُ تَرْكُهُ لَكِنْ رُدَّ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعٍ مِنْ قَبْلِهِ، وَرُدَّ بِأَنَّ ابْنَ سِيرِينَ وَغَيْرَهُ مِنَ السَّلَفِ قَالُوا بِهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَاخْتُلِفَ هَلْ شُرِعَ الرَّفْعُ تَعَبُّدًا أَوْ لِحِكْمَةٍ فَقِيلَ: الْإِشَارَةُ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَقِيلَ: أَنْ يَرَاهُ مَنْ لَا يَسْمَعُ التَّكْبِيرَ فَيَقْتَدِي بِهِ، وَقِيلَ: الْإِشَارَةُ إِلَى طَرْحِ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْإِقْبَالِ بِكُلِّيَّتِهِ عَلَى عِبَادَةِ الْمَوْلَى وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، ثُمَّ قِيلَ: يَرْفَعُهُمَا ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيُرْسِلُهُمَا مَعَ آخَرِ التَّكْبِيرِ، رَوَاهُ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، وَقِيلَ: يَرْفَعُهُمَا ثُمَّ يُكَبِّرُ وَهُمَا مَرْفُوعَتَانِ، ثُمَّ يُرْسِلُهُمَا لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَفْعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ كَبَّرَ، وَهُمَا كَذَلِكَ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْخِلَافَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَكْمَلِ، وَأَمَّا أَصْلُ السُّنَّةِ: فَيَحْصُلُ بِكُلِّ ذَلِكَ، وَالْأَصْلُ فِي اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِي أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ تَرْجِيحُ إِحْدَاهَا عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَبَعْضُهُمْ يَرَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَمْرِ الْمُبَاحِ.

أَقُولُ: وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا خِلَافَ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ بِلَا شَكٍّ لِصِحَّةِ الرِّوَايَاتِ رَحْمَةً عَلَى الْأُمَّةِ، وَتَخْصِيصُ كُلٍّ بِوَقْتٍ لِمَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ، وَلَمْ يُعْرَفْ مَا دَامَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ وَلَا آخِرُ مَا فَعَلَهُ، فَرَجَّحَ كُلٌّ مِنَ الْأَئِمَّةِ بِمَا قَامَ عِنْدَهُ مِنَ الدَّلِيلِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فِيمَ أَمْكَنَ كَقِرَاءَةِ: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ، وَسُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ، كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ كَبِيرًا وَكَثِيرًا كَمَا قَالَ بِهِ النَّوَوِيُّ يَخْرُجُ عَنْ ظَاهِرِ السُّنَّةِ، وَالْأَظْهَرُ الْجَمْعُ أَنْ يَكُونَ تَارَةً وَتَارَةً، أَوْ يُخَصَّ الْأَرْجَحُ بِالْفَرْضِ وَغَيْرُهُ بِالنَّفْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ) : فِي الْمُغْرِبِ يُقَالُ: مَكَّنَهُ مِنَ الشَّيْءِ وَأَمْكَنَهُ فِيهِ أَقْدَرَهُ عَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى مَكَّنَهُمَا مِنْ أَخْذِهِمَا وَالْقَبْضِ عَلَيْهِمَا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَجِّهَ أَصَابِعَ يَدَيْهِ لِلْقِبْلَةِ لِثُبُوتِهِ فِي السُّجُودِ فَأُلْحِقَ بِهِ، وَلِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ، وَأَنْ يَبْسُطَهَا وَيُفَرِّقَهَا عَلَى سَاقَيْهِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ، (ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ) ، أَيْ: ثَنَاهُ وَخَفَضَهُ حَتَّى صَارَ كَالْغُصْنِ الْمُنْهَصِرِ وَهُوَ الْمُنْكَسِرُ مِنْ غَيْرِ بَيْنُونَةٍ، وَالْأَصْلُ فِي الْهَصْرِ الْكَسْرُ، وَقِيلَ، أَيْ: ثَنَاهُ وَعَوَجَهُ ثَنْيًا شَدِيدًا فِي اسْتِوَاءِ رَقَبَتِهِ وَظَهْرِهِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَفِي النِّهَايَةِ أَيْ ثَنَاهُ إِلَى الْأَرْضِ، وَأَصْلُ الْهَصْرِ أَنْ تَأْخُذَ بِرَأْسِ الْعُودِ فَتَثْنِيَهُ إِلَيْكَ (فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ) ، أَيْ: مِنَ الرُّكُوعِ (وَاسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ) ، أَيْ: يَرْجِعَ (كُلُّ فَقَارٍ) : وَهِيَ مَفَاصِلُ الصُّلْبِ وَاحِدَتُهَا فَقَارَةٌ بِالْفَتْحِ (مَكَانَهُ) ، أَيْ: مَوْضِعَهُ وَيَسْتَقِرَّ كُلُّ عُضْوٍ فِي مَقَرِّهِ (فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ) ، أَيْ: بَعْدَ وَضْعِ رُكْبَتَيْهِ لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ الَّذِي حَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ آخَرُونَ، أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَفْعَلُ كَذَلِكَ، فَهَذَا مُفَصَّلٌ، وَفِيهِ زِيَادَةٌ ; لِأَنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ لَمْ يُبَيِّنْ مَتَى وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِهَذَا، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ تَقْدِيمِ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: حَدِيثُ تَقْدِيمِ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ: «كُنَّا نَضَعُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ فَأُمِرْنَا بِوَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ» (غَيْرَ مُفْتَرِشٍ) ، أَيْ: لِذِرَاعَيْهِ، أَيِ: افْتِرَاشَ السَّبْعِ وَهُوَ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: غَيْرَ وَاضِعٍ مِرْفَقِهِ عَلَى الْأَرْضِ (وَلَا قَابِضِهِمَا) : بِالْجَرِّ، أَيْ: وَغَيْرَ قَابِضِ أَصَابِعِ يَدَيْهِ بَلْ يَبْسُطُهُمَا قِبَلَ الْقِبْلَةِ كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَقِيلَ: أَيْ لَا يَضُمُّ أَصَابِعَهُمَا، أَوْ أَرَادَ لَا يَضُمُّ الذِّرَاعَيْنِ وَالْعَضُدَيْنِ إِلَى الْجَنْبَيْنِ بَلْ يُجَافِيهِمَا، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: يُسَنُّ أَنْ يَنْشُرَ أَصَابِعَ يَدَيْهِ، وَيُسَنُّ أَيْضًا كَوْنُهَا إِلَى الْقِبْلَةِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، " وَمَضْمُومَةً " لِلِاتِّبَاعِ أَيْضًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ إِيمَاءً، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ صَرِيحًا، " وَمَكْشُوفَةً " لِخَبَرِ خَبَّابٍ الْآتِي، وَمُعْتَمِدًا عَلَى رَاحَتَيْهِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ (وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ) : قَالَ النَّوَوِيُّ: لَا يَحْصُلُ تَوْجِيهُهَا لِلْقِبْلَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُعْتَمِدًا عَلَى بُطُونِهِمَا، وَنَقْلُ الْإِمَامِ عَنِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَضَعُهَا مِنْ غَيْرِ تَحَامُلٍ عَلَيْهَا شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ وَالْمَذْهَبِ (فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ) : أَيْ عَقِبَ الْأُولَيَيْنِ (جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى، فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ) : وَفِي نُسْخَةٍ: الْأَخِيرَةِ (قَدَّمَ) ، أَيْ: أَخْرَجَ (رِجْلَهُ الْيُسْرَى) : مِنْ تَحْتِ وَرِكِهِ إِلَى جَانِبِ الْأَيْمَنِ (وَنَصَبَ الْأُخْرَى) : وَفِي نُسْخَةٍ: الْيُمْنَى (وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ) : قَالَ الْقَاضِي: اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْجَلَسَاتِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجْلِسُ فِيهِمَا مُفْتَرِشًا، وَقَالَ مَالِكٌ: بَلْ مُتَوَرِّكًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَتَوَرَّكُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَيَفْتَرِشُ فِي الْأَوَّلِ، كَمَا رَوَاهُ السَّاعِدِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَلْحَقَ بِالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ الْجَلَسَاتِ الْفَاصِلَةَ بَيْنَ السُّجُودَاتِ لِأَنَّهُ يَعْقُبُهَا انْتِقَالَاتٌ، وَالِانْتِقَالُ مِنَ الْمُفْتَرِشِ أَيْسَرُ، (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) : قَالَ مِيرَكُ: وَالْأَرْبَعَةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>