للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْفَاتِحَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ جَمِيعًا، وَلَيْسَ غَيْرُهَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ غَيْرَهَا يُؤَدَّى بِهِ الْفَرْضُ فَقَطْ دُونَ الْوَاجِبِ، فَهُوَ يُؤَيِّدُ مَذْهَبَنَا وَاصْطِلَاحَ أَئِمَّتِنَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَضَعَ مَا شَاءَ اللَّهُ مَوْضِعَ مَا شِئْتَ؛ لِأَنَّ مَشِيئَتَهُ مَسْبُوقَةٌ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: ٣٠] ، (فَإِذَا رَكَعْتَ فَاجْعَلْ رَاحَتَيْكَ) ، أَيْ: كَفَّيْكَ (عَلَى رُكْبَتَيْكَ) : وَهَذَا الْجَعْلُ سُنَّةٌ اتِّفَاقًا (وَمَكِّنْ رُكُوعَكَ) ، أَيْ: مِنْ أَعْضَائِكَ يَعْنِي: تَمِّمْ بِجَمْعِ أَعْضَائِكَ قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيِ ارْكَعْ رُكُوعًا تَامًّا مَعَ الطَّمَأْنِينَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ تَمِّمْهُ بِفِعْلِ مَا مَرَّ فِي الْأَعْضَاءِ (وَامْدُدْ) ، أَيِ: ابْسُطْ (ظَهْرَكَ) : وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ مُسْتَحَبَّةٌ أَيْضًا (فَإِذَا رَفَعْتَ) ، أَيْ: رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ (فَأَقِمْ صُلْبَكَ) : وَمَرَّ تَفْسِيرُهُ (وَارْفَعْ رَأْسَكَ حَتَّى تَرْجِعَ الْعِظَامُ) : بِرَفْعِهَا وَتُنْصَبُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ، أَيْ: تَعُودُ أَوْ تَرُدُّ أَنْتَ (إِلَى مَفَاصِلِهَا) : وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ أَيْضًا (فَإِذَا سَجَدْتَ فَمَكِّنْ) ، أَيْ: يَدَيْكَ قَالَهُ الطِّيبِيُّ، (لِلسُّجُودِ) : أَيِ اسْجُدْ سُجُودًا تَامًّا مَعَ الطُّمَأْنِينَةِ، قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَوَضْعُ الْيَدَيْنِ فِي السُّجُودِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا، وَفَرْضٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: مَعْنَاهُ فَمَكِّنْ جَبْهَتَكَ مِنْ مَسْجِدِكَ، فَيَجِبُ تَمْكِينُهَا بِأَنْ يَتَحَامَلَ عَلَيْهَا بِحَيْثُ لَوْ كَانَ تَحْتَهَا قُطْنٌ انْكَبَسَ (فَإِذَا رَفَعْتَ) ، رَأْسَكَ مِنَ السُّجُودِ (فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِكَ الْيُسْرَى) ، أَيْ نَاصِبًا قَدَمَكَ الْيُمْنَى، وَهُوَ الِافْتِرَاشُ الْمَسْنُونُ عِنْدَنَا فِي مُطْلَقِ الْقَعَدَاتِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ تَنْصِبُ رِجْلَكَ الْيُمْنَى كَمَا بَيَّنَهُ بَقِيَّةُ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الِافْتِرَاشُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَفْضَلَ مِنَ الْإِقْعَاءِ الْمُسْنُونِ بَيْنَهُمَا كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ أَحْوَالِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اهـ.

وَفِيهِ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ الْمَسْنُونُ، وَغَيْرُهُ إِمَّا لِعُذْرٍ أَوْ لِبَيَانِ الْجَوَازِ (ثُمَّ اصْنَعْ ذَلِكَ) ، أَيْ: جَمِيعَ مَا ذُكِرَ (فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَسَجْدَةٍ) : أَيْ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ.

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيَصِحُّ إِبْقَاءُ الرَّكْعَةِ عَلَى حَقِيقَتِهَا، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالسَّجْدَةِ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ؛ إِذْ يَجِبُ فِيهِمَا مَا يَجِبُ فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ (حَتَّى تَطْمَئِنَّ) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: يُرِيدُ بِهِ الْجُلُوسَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مَوْضِعُ الِاسْتِقْرَارِ يَعْنِي: حَتَّى تَفْرُغَ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: رَاجِعٌ إِلَى جَمِيعِ مَا مَرَّ، فَيُفِيدُ وُجُوبَ الطَّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ، وَالِاعْتِدَالِ، وَالسُّجُودِ، وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَهُوَ مَذْهَبُنَا كَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ (هَذَا لَفْظُ الْمَصَابِيحِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) ، أَيْ: هَذَا اللَّفْظَ (مَعَ تَغْيِيرٍ يَسِيرٍ) ، أَيْ: قَلِيلٍ فِي لَفْظِهِ (وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مَعْنَاهُ) : وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ، نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ الْمُنْذِرِيِّ (وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ) : قَالَ مِيرَكُ: فِيهِ نَظَرٌ؟ فَإِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لَيْسَتْ مَخْصُوصَةً بِالتِّرْمِذِيِّ، بَلْ أَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا قَالَ: (إِذَا قُمْتَ) ، أَيْ: أَرَدْتَ الْقِيَامَ (إِلَى الصَّلَاةِ) : فَوَضَعَ الْمُسَبَّبَ مَوْضِعَ السَّبَبِ (فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ) ، أَيْ: فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ (ثُمَّ تَشَهَّدْ) ، أَيْ: قُلْ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، بَعْدَ الْوُضُوءِ (فَأَقِمْ) ، أَيِ: الصَّلَاةَ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِي رِوَايَةٍ: وَأَقِمْ، وَقِيلَ: مَعْنَى تَشَهَّدْ أَذِّنْ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى كَلِمَتَيِ الشَّهَادَةِ، (فَأَقِمْ) ، عَلَى هَذَا يُرَادُ بِهِ الْإِقَامَةُ لِلصَّلَاةِ كَذَا نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ الْأَزْهَارِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>