خَدَّجَتِ النَّاقَةُ وَلَدَهَا قَبْلَ أَوَانِ خُرُوجِهِ وَإِنْ كَمُلَ خَلْقُهُ فَهِيَ مُخَدِّجَةٌ أَوْ ذَاتُ خِدَاجٍ (ثَلَاثًا) ، أَيْ: قَالَهَا ثَلَاثًا (غَيْرُ تَمَامٍ) : بَيَانُ خِدَاجٍ أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ، وَفِي نُسْخَةٍ غَيْرُ تَامٍّ، أَيْ: غَيْرُ كَامِلٍ، قِيلَ: إِنَّهُ تَأْكِيدٌ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ تَفْسِيرٌ لِلْخِدَاجِ، ذِكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، بَلْ مِنْ كَلَامِ أَحَدِ الرُّوَاةِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ عُلَمَاؤُنَا مِنْ نُقْصَانِ صَلَاتِهِ، فَهُوَ مُبَيِّنٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " لَا صَلَاةَ " أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا نَفْيُ الْكَمَالِ لَا الصِّحَّةِ، فَبَطَلَ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ، وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَبِنَفْيِ لَا صَلَاةَ نَفْيُ صِحَّتِهَا؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعَةٌ، ثُمَّ قَالَ: وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَحَادِيثُ لَا تُقْبَلُ تَأْوِيلًا مِنْهَا مَا صَحَّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَمَرَنَا أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَا تَيَسَّرَ، وَفِيهِ أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا عَلَيْنَا؛ لِأَنَّهُمْ مَا يَقُولُونَ بِوُجُوبِ السُّورَةِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ بِمَعْنَى: " مَعَ " أَوْ بِمَعْنَى: " أَوْ " وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْفَاتِحَةِ إِجْمَاعًا، وَمُجْزِئٌ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فِي مَذْهَبِنَا، قَالَ: وَمِنْهَا خَبَرُ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَابْنِ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمِ فِي صِحَاحِهِمْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: «لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَفِيهِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِجْزَاءِ الْكَامِلِ، ثُمَّ قَالَ: وَمِنْهَا مَا صَحَّ أَيْضًا أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِلْمُسِيءِ صَلَاتَهُ: ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَقَالَ لَهُ: ثُمَّ افْعَلْ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا، وَفِيهِ أَنَّ الْحَدِيثَ السَّابِقَ لَفْظُهُ: ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ، وَهُوَ بِظَاهِرِهِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا عَلَيْنَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ بِمُوجَبِهِ، مَعَ أَنَّ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ وَرَدَ بَعْضُ الْأَوَامِرِ لَا يَصِحُّ أَنْ تُحْمَلَ عَلَى الْوُجُوبِ إِجْمَاعًا، قَالَ: وَمِنْهَا مُدَاوَمَتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قِرَاءَتَهَا فِي صَلَاتِهِ، كَمَا فِي مُسْلِمٍ مَعَ خَبَرِ الْبُخَارِيِّ: " «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» "، وَفِيهِ أَنَّهُ لَوْلَا مُوَاظَبَتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى قِرَاءَتِهَا لَقُلْنَا بِسُنِّيَّتِهَا لَا بِوُجُوبِهَا وَبِعِصْيَانِ تَارِكِهَا، وَأَمَّا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ، فَمَخْصُوصُ الْبَعْضِ إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّ بَعْضَ أَعْمَالِ صَلَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ سُنَنٌ بِلَا خِلَافٍ، قَالَ: وَأَمَّا خَبَرُ: لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقُرْآنٍ وَلَوْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَضَعِيفٌ، عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَقَلُّ مُجْزِئٍ الْفَاتِحَةُ كَصُمْ وَلَوْ يَوْمًا.
قُلْتُ: لَوْ صَحَّ ضَعْفُهُ فَهُوَ يُقَوِّي الْمَعْنَى الْمُرَادَ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ عِنْدَنَا مُقَدَّمٌ عَلَى الرَّأْيِ الْمُجَرَّدِ، وَجَعْلُهُ الْحَدِيثَ نَظِيرَ مَا ذَكَرْنَا فِي غَايَةٍ مِنَ الْبُعْدِ، بَلْ نَظِيرُهُ مَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ: " «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» " فَيُفِيدُ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَحْدَهَا مُجْزِئَةٌ، مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ ضَمُّ سُورَةٍ مَعَهَا، قَالَ: وَمَا وَرَدَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ مِمَّا يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ مِنْ أَصْلِهَا ضَعِيفٌ أَيْضًا.
قُلْتُ: عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ يُحْمَلُ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْفَاتِحَةِ دُونَ وُجُوبِهَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، قَالَ: وَقَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: الْقِرَاءَةُ سُنَّةٌ أَيْ طَرِيقَةٌ مُتَّبَعَةٌ، وَإِنْ خَالَفَتْ مَقَايِيسَ الْعَرَبِيَّةِ، قُلْنَا: وَالْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ ثَبَتَ فَرْضِيَّتُهَا بِالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: ٢٠] بِظَاهِرٍ مُطْلَقٍ، قَالَ: وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي الْعَصْرَيْنِ فِي الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَقْرَأُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ نَفْيٌ، عَلَى أَنَّ رُوَاةَ الْأَوَّلِ وَمَا بِمَعْنَاهُ أَكْبَرُ سِنًّا وَأَقْدَمُ صُحْبَةً، فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ شَكَّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: لَا أَدْرِي أَكَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَمْ لَا، وَغَيْرُهُ مَعَ كَثْرَتِهِمْ جَزَمُوا بِالْقِرَاءَةِ، فَكَانُوا أَحَقَّ بِالتَّقْدِيمِ.
قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنْ يُحْمَلَ نَفْيُهُ عَلَى مَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ، أَوْ عَلَى إِخْفَائِهِ الْقِرَاءَةَ بِحَيْثُ إِنَّهُ لَا يَدْرِي أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ أَمْ لَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَقْيِيدُهُ بِالْعَصْرَيْنِ، قَالَ: وَخَبَرُ: أَنَّهُ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَسَبَّحَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ ضَعِيفٌ، قُلْتُ: عَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ يُحْمَلُ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ كَمَا قَالَ بِهِ عُلَمَاؤُنَا، لَكِنْ فِي الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ، وَأَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَصَاحِبُهُ مُسِيءٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ) ، أَيْ: فَهَلْ نَقْرَأُ أَمْ لَا؟ قَالَ: اقْرَأْ بِهَا) ، أَيْ: بِأُمِّ الْقُرْآنِ (فِي نَفْسِكَ) : سِرًّا غَيْرَ جَهْرٍ، وَبِهِ أَخْذَ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ مَذْهَبُ صَحَابِيٍّ لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ عَلَى أَحَدٍ مَعَ احْتِمَالِ التَّقْيِيدِ فِي الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ كَمَا قَالَ بِهِ الْإِمَامُ مَالِكٌ، وَالْإِمَامُ مُحَمَّدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، أَوْ فِي السَّكَتَاتِ بَيْنَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ كَمَا قِيلَ لِلْمَسْبُوقِ فِي دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ، أَوْ مَعْنَاهُ فِي قَلْبِكَ بِاسْتِحْضَارِ أَلْفَاظِهَا أَوْ مَعْنَاهُ أَوْ مَعَانِيهَا دُونَ مَبَانِيهَا، (فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute