٨٣٦ - «وَعَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير: ١٧] » ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
٨٣٦ - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ) : مُصَغَّرًا مَخْزُومِيٌّ، رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَمَسَحَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِرَأْسِهِ، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، (أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير: ١٧] ، أَيْ: أَدْبَرَ، وَقِيلَ: أَيْ أَقْبَلَ ظَلَامُهُ، وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكْتَفَى بِهَذِهِ الْآيَةِ؛ وَلِذَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اكْتَفَى بِقِرَاءَةِ هَذِهِ الْآيَةِ فَيُفِيدُ التَّخْفِيفَ فِي الصُّبْحِ اهـ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ إِذْ لَمْ يَرِدْ عَنْهُ أَنَّهُ قَطُّ اكْتَفَى بِمَا دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ لِأَمْرٍ مُهِمٍّ لَهُ فَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا؛ إِذْ لَوْ كَانَ لَنُقِلَ، وَذُكِرَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: يَعْنِي بِهِ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: ١] بِنَاءً عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ السُّورَةِ بِتَمَامِهَا وَإِنْ قَصُرَتْ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضِهَا وَإِنْ طَالَ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ، فَالْمَعْنَى قَرَأَ سُورَةً، هَذِهِ الْآيَةِ فِيهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَرَأَ: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير: ١٧] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ كَثِيرُونَ: السُّورَةُ الْكَامِلَةُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضِ سُورَةٍ وَإِنْ طَالَ، كَمَا أَنَّ التَّضْحِيَةَ بِشَاةٍ أَفْضَلُ مِنَ الْمُشَارَكَةِ فِي بَعِيرٍ، وَإِنْ كَانَ الشِّرْكُ أَكْثَرَ لَحْمًا؛ وَلِأَنَّ السُّورَةَ لَهَا مَقْطَعٌ وَمَفْصِلٌ تَامٌّ عَنْ غَيْرِهَا لَا يُدْرِكُهُ كُلُّ أَحَدٍ، بِخِلَافِ بَعْضِ السُّورَةِ، وَلَا بُعْدَ فِي أَنَّ قِرَاءَةَ الْكَوْثَرِ مَثَلًا أَفْضَلُ وَأَعْظَمُ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ بِخُصُوصِهَا مِنْ مُعْظَمِ الْبَقَرَةِ لِكَوْنِ الثَّوَابِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى قِرَاءَةِ السُّورَةِ الْكَامِلَةِ فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ؛ وَلِأَنَّ فِي التَّأَسِّي وَالِاتِّبَاعِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَزِيَّةِ مَا يُعَادِلُ الثَّوَابَ الْكَثِيرَ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ، كَمَا نَظَرُوا لِذَلِكَ فِي تَفْضِيلِهِمْ صَلَاةَ الظُّهْرِ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ عَلَيْهَا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَلَمْ يَنْظُرُوا لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُضَاعَفَةِ وَصَلَاةِ النَّافِلَةِ بِالْبَيْتِ عَلَيْهَا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَلَمْ يَنْظُرُوا لِذَلِكَ أَيْضًا، وَالْغَالِبُ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ السُّورَةُ التَّامَّةُ، بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قِرَاءَتُهُ السُّورَةَ إِلَّا كَامِلَةً، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ التَّفْرِيقُ إِلَّا فِي الْمَغْرِبِ قَرَأَ فِيهَا الْأَعْرَافَ فِي رَكْعَتَيْنِ، وَرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ قَرَأَ بِآيَتَيِ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا هِيَ أَفْضَلُ مِنْ قَدْرِهَا فَقَطْ، قَالُوا عَمَلًا بِالْقِيَاسِ: إِنَّ كُلَّ حَرْفٍ بِعِشَرَةٍ، وَتَوَسَّعَ بَعْضُهُمْ فَقَالُوا: الْأَطْوَلُ أَفْضَلُ مِنْ حَيْثُ الطُّولُ، وَالسُّورَةُ أَفْضَلُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا سُورَةٌ كَامِلَةٌ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تَرْجِيحٌ مِنْ وَجْهٍ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ التَّرَاوِيحِ، فَتَجْزِئَةُ الْقُرْآنِ فِيهَا بِحَيْثُ يُخْتَمُ جَمِيعُهُ فِي الشَّهْرِ أَفْضَلُ مِنَ السُّوَرِ الْقِصَارِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْقِيَامُ فِيهَا بِجَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَأَفْتَى بَعْضُ أَئِمَّتِنَا بِأَنَّ مَنْ قَرَأَ سُورَةً فِي رَكْعَتَيْنِ إِنْ فَرَّقَهَا لِعُذْرٍ كَمُرْضٍ حَصَلَ لَهُ ثَوَابُ السُّورَةِ الْكَامِلَةِ، وَالْكَلَامُ فِي سُورَةٍ طَوِيلَةٍ كَالْأَعْرَافِ بِخِلَافِ سُورَةٍ ثَلَاثِ آيَاتٍ أَوْ أَرْبَعٍ فَتَفْرِيقُهَا خِلَافُ السُّنَّةِ اهـ، (رَوَاهُ مُسْلِمٌ: قَالَ مِيرَكُ: وَأَبُو دَاوُدَ اهـ.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: " لَا تَقْرَأْ فِي الصُّبْحِ بِدُونَ عِشْرِينَ آيَةً، وَلَا تَقْرَأْ فِي الْعِشَاءِ بِدُونَ عَشْرِ آيَاتٍ " اهـ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِشْرِينَ وَالْعَشْرِ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؛ وَلِذَا قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا فِي أَحَدِ الْأَسْفَارِ: إِنَّهُ يُمْكِنُهُ تَرْتِيلُ أَرْبَعِينَ آيَةً فِي الْإِعَادَةِ لَوْ وَقَعَ فَسَادٌ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute