٨٥٨ - «وَعَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا، فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي، قَالَ: " قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ "، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذَا لِلَّهِ؟ فَمَاذَا لِي؟ قَالَ: " قُلْ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي، وَعَافِنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي " فَقَالَ هَكَذَا بِيَدَيْهِ وَقَبَضَهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا هَذَا فَقَدَ مَلَأَ يَدَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَانْتَهَتْ رِوَايَةُ النَّسَائِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ: " إِلَّا بِاللَّهِ ".
ــ
٨٥٨ - (وَعَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ) ، أَيْ: وِرْدًا أَوْ أَتَعَلَّمَ وَأَحْفَظَ (مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي) ، أَيْ: عَنْ وِرْدِ الْقُرْآنِ، أَوْ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ (قَالَ) : وَفِي نُسْخَةٍ: فَقَالَ: ( «قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ» ) : فَإِنَّهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ، وَخُلَاصَةُ الْأَذْكَارِ الطَّيِّبَاتِ، وَهُنَّ مِنَ الْقُرْآنِ فِي الْكَلِمَاتِ الْوَارِدَاتِ الْمُتَفَرِّقَاتِ الْجَامِعَاتِ لِلصَّفَاتِ التَّنْزِيهِيَّةِ وَالثُّبُوتِيَّةِ وَالْوَحْدَانِيَّةِ، وَلِنُعُوتِ الْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ وَالْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ، (قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لِلَّهِ) ، أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنَ الْكَلِمَاتِ ذِكْرٌ لِلَّهِ مُخْتَصٌّ لَهُ أَذْكُرُهُ بِهِ (فَمَاذَا لِي) : أَيْ: عَلِّمْنِي شَيْئًا يَكُونُ لِي فِيهِ دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ وَأَذْكُرُهُ لِي عِنْدَ رَبِّي، قَالَ: (قُلْ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي) ، أَيْ: بِتَرْكِ الْمَعَاصِي أَبَدًا أَوْ بِغُفْرَانِهَا (وَعَافِنِي) : مِنْ آفَاتِ الدَّارَيْنِ (وَاهْدِنِي) ، أَيْ: ثَبِّتْنِي عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، أَوْ دُلَّنِي عَلَى مُتَابَعَةِ الْأَحْكَامِ (وَارْزُقْنِي) ، أَيْ: رِزْقًا حَلَالًا طَيِّبًا كَافِيًا مُغْنِيًا عَنِ الْأَنَامِ، أَوِ التَّوْفِيقَ وَالْقَبُولَ وَحُسْنَ الِاخْتِتَامِ (فَقَالَ) ، أَيْ: فَعَلَ الرَّجُلُ (هَكَذَا) : قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ أَشَارَ إِشَارَةً مِثْلَ هَذِهِ الْإِشَارَةِ الْمَحْسُوسَةِ (بِيَدَيْهِ) : تَفْسِيرٌ وَبَيَانٌ (وَقَبَضَهُمَا) : وَفِي نُسْخَةٍ: فَقَبَضَهُمَا فَقِيلَ، أَيْ: عِنْدَ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ بِأَنَامِلِهِ وَقَبَضَ كُلَّ أُنْمُلَةٍ بِعَدَدِ كُلِّ كَلِمَةٍ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: ثُمَّ بَيَّنَ الرَّاوِي الْمُرَادَ بِالْإِشَارَةِ بِهِمَا فَقَالَ: وَقَبَضَهُمَا أَيْ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ يَحْفَظُ مَا أَمَرَهُ بِهِ كَمَا يَحْفَظُ الشَّيْءَ النَّفِيسَ بِقَبْضِ الْيَدِ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنَّ الْمُشِيرَ هُوَ الْمَأْمُورُ، أَيْ: حَفِظْتُ مَا قُلْتَ لِي وَقَبَضْتُ عَلَيْهِ، فَلَا أُضَيِّعُهُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الرَّاوِي، (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَّا هَذَا) : أَيِ: الرَّجُلُ (فَقَدْ مَلَأَ يَدَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: كِنَايَةٌ عَنْ أَخْذِهِ مَجَامِعَ الْخَيْرِ بِامْتِثَالِهِ لِمَا أُمِرَ بِهِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمُشِيرُ هُوَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَمْلًا لَهُ عَلَى الِامْتِثَالِ وَالْحِفْظِ لِمَا أُمِرَ بِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَهِمَ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الِامْتِثَالَ فَبَشَّرَهُ وَمَدَحَهُ بِأَنَّهُ ظَفَرَ بِمَا لَمْ يَظْفَرْ بِهِ غَيْرُهُ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَحْفَظَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ وَاتَّخِذَهُ وِرْدًا لِي فَعَلِّمْنِي مَا أَجْعَلُهُ وِرْدًا لِي فَأَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، فَلَمَّا عَلَّمَهُ مَا فِيهِ تَعْظِمٌ لِلَّهِ تَعَالَى طَلَبَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالْعَافِيَةِ وَالْهِدَايَةِ وَالرِّزْقِ، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ مَطْلُوبَهُ مَا يَجْعَلُهُ وِرْدًا لَهُ لَا يُفَارِقُهُ أَبَدًا قَبْضُهُ بِيَدَيْهِ، أَيْ: إِنِّي لَا أُفَارِقُهُ مَا دُمْتُ حَيًّا وَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ مِنْ إِيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى تَعَلُّمِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ يَقْدِرُ عَلَى تَعَلُّمِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ لَا مَحَالَةَ، بَلْ تَأْوِيلُهُ إِنِّي لَا أَسْتَطِعُ أَنْ أَتَعَلَّمَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ، وَقَدْ دَخَلَ عَلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ " إِلَخْ، فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ وَلَمْ يَعْلَمِ الْفَاتِحَةَ، وَعَلِمَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ لَزِمَهُ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ عَدَدَ آيَاتٍ وَحُرُوفٍ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ شَيْئًا مِنْهُ يَقُولُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ، وَفِيهِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّ عَجْزَ الْعَرَبِيِّ الْمُتَكَلِّمِ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ عَنْ تَعَلُّمِ مَا تَصِحُّ بِهِ صَلَاتُهُ مِنَ الْقُرْآنِ مُسْتَبْعَدٌ جِدًّا، وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَخِّصُ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالتَّسْبِيحِ عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ مَا لَهُ وَمَا عَلَيْهِ اهـ.
وَنَقْلَ مِيرَكُ عَنْ زَيْنِ الْعَرَبِ أَنَّهُ قَالَ: وَكُلُّ هَذَا خِلَافُ الظَّاهِرِ، بَلْ قَوْلُهُ فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي مَعَ إِيرَادِ الْمُحَدِّثِينَ لِهَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْقَدْرُ الْمُجْزِئُ فِي الصَّلَاةِ، وَإِلَّا لَكَانَ إِيرَادُهُ فِي بَابِ التَّسْبِيحِ أَلْيَقَ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنَ الِاسْتِبْعَادِ فَغَيْرُ بَعِيدٍ؛ لِأَنَّهُ كَمَا أَنَّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ هُوَ فِي غَايَةِ الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي غَايَةِ الْجَلَافَةِ وَالْبَلَادَةِ اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ السَّائِلَ كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْأَوَّلِ بِلَا شُبْهَةٍ، فَالِاسْتِبْعَادُ فِي مَحَلِّهِ، وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الصَّلَاةِ إِذْ لَوْ كَانَ فِيهَا لَبَيَّنَهُ الرَّاوِي، وَلَنَقَلَهُ غَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَوْ زَعَمَ أَحَدٌ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، قُلْتُ: يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الْفَرِيضَةِ اهـ، أَوْ عَلَى غَيْرِ الْفَاتِحَةِ، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا يُقَالُ لِمَا مَرَّ مِنْ حَدِيثِ رِفَاعَةَ لِلتِّرْمِذِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute