للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٨٦١ - «وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَرَأَ سُورَةَ (الرَّحْمَنِ) ، مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، فَسَكَتُوا، فَقَالَ: " لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى الْجِنِّ لَيْلَةَ الْجِنِّ، فَكَانُوا أَحْسَنَ مَرْدُودًا مِنْكُمْ، كُنْتُ كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: ١٣] ، قَالُوا: لَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ، فَلَكَ الْحَمْدُ» "، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.

ــ

٨٦١ - (وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرَّحْمَنِ) : وَفِي نُسْخَةٍ: بِسُورَةِ الرَّحْمَنِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا: تَأْكِيدٌ (فَسَكَتُوا) ، أَيْ: مُسْتَمِعِينَ (قَالَ: " لَقَدْ قَرَأَتُهَا عَلَى الْجِنِّ، لَيْلَةَ الْجِنِّ) ، أَيْ: لَيْلَةَ اجْتِمَاعِهِمْ بِهِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ (فَكَانُوا) ، أَيِ: الْجِنُّ (أَحْسَنَ مَرْدُودًا) ، أَيْ: جَوَابًا وَرَدًّا لِمَا تَضَمَّنَهُ الِاسْتِفْهَامُ التَّقْرِيرِيُّ الْمُتَكَرِّرُ فِيهَا بِـ " أَيِّ " (مِنْكُمْ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: الْمَرْدُودُ بِمَعْنَى الرَّدِّ كَالْمَخْلُوقِ وَالْمَعْقُولِ نَزَّلَ سُكُوتَهُمْ وَإِنْصَاتَهُمْ لِلِاسْتِمَاعِ مَنْزِلَةَ حُسْنِ الرَّدِّ، فَجَاءَ بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ، وَيُوَضِّحُهُ كَلَامُ ابْنِ الْمَلَكِ حَيْثُ قَالَ: نَزَّلَ سُكُوتَهُمْ مِنْ حَيْثُ اعْتِرَافُهُمْ بِأَنَّ فِي الْجِنِّ وَالْإِنْسِ مَنْ هُوَ مُكَذِّبٌ بِآلَاءِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ فِي الْجِنِّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِذَلِكَ أَيْضًا، لَكِنَّ نَفْيَهُمُ التَّكْذِيبَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِاللَّفْظِ أَيْضًا أَدَلُّ عَلَى الْإِجَابَةِ وَقَبُولِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ مِنْ سُكُوتِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ. (كُنْتُ) ، أَيْ: تِلْكَ اللَّيْلَةَ (كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ) ، أَيْ: عَلَى قِرَاءَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: ١٣] : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: الْخِطَابُ لِلْإِنْسِ وَالْجِنِّ، أَيْ: أَيِّ نِعْمَةٍ مِمَّا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ تُكَذِّبُونَ وَتَجْحَدُونَ نِعَمَهُ بِتَرْكِ شُكْرِهِ، وَتَكْذِيبِ رُسُلِهِ، وَعِصْيَانِ أَمْرِهِ (قَالُوا: لَا بِشَيْءٍ) : مُتَعَلِّقٌ بِـ " نُكَذِّبُ " الْآتِي (مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا) : بِالنَّصْبِ عَلَى حَذْفِ النِّدَاءِ (نُكَذِّبُ) : أَيْ لَا نُكَذِّبُ بِشَيْءٍ مِنْهَا (فَلَكَ الْحَمْدُ) ، أَيْ: عَلَى نِعَمِكَ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَمِنْ أَهَمِّهَا نِعْمَةُ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ، الْمُخَلِّصَتَيْنِ مِنَ النِّيرَانِ، الْمُوجِبَتَيْنِ لِدَرَجَاتِ الْجِنَانِ، وَمِنْ ثَمَّ وَرَدَ أَنَّهَا عَرُوسُ الْقُرْآنِ، (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ: وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لَكِنَّهُ صَحِيحٌ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ، قِيلَ: وَمِنَ الْغَرِيبِ إِيرَادُهُ وَمَا قَبْلَهُ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ فِي هَذَا الْبَابِ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْمُنَاسَبَةِ، قُلْتُ: لَعَلَّ الْأُولَيَيْنِ لِاحْتِمَالِهِمَا دَاخِلَ الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا، وَذَكَرَ الْأَخِيرَ تَبَعًا لَهُمَا وَاطِّرَادًا فِي حُكْمِهِمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>