٨٨٤ - وَعَنْ شَقِيقٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّ حُذَيْفَةَ رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: مَا صَلَّيْتَ، قَالَ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَلَوْ مِتَّ مِتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
٨٨٤ - (وَعَنْ شَقِيقٍ) ، أَيِ: ابْنِ سَلَمَةَ التَّابِعِيِّ، أَبُو وَائِلٍ الْكُوفِيُّ مُخَضْرَمٌ، رَوَى عَنِ الْخُلَفَاءِ وَحُذَيْفَةَ وَغَيْرِهِمْ، اتَّفَقُوا عَلَى تَوْثِيقِهِ وَجَلَالَتِهِ، كَذَا فِي التَّهْذِيبِ (قَالَ: إِنَّ حُذَيْفَةَ رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ) : لِتَرْكِهِ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِهِمَا (فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: مَا صَلَّيْتَ) ، أَيْ: صَلَاةً صَحِيحَةً أَوْ كَامِلَةً وَمَا نَافِيَةٌ (قَالَ) ، أَيْ: شَقِيقٌ (وَأَحْسَبُهُ) ، أَيْ: أَظُنُّهُ (قَالَ) ، أَيْ: حُذَيْفَةُ (وَلَوْ مِتَّ) : بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ أَيْ عَلَى هَذَا (مِتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ) ، أَيِ: الطَّرِيقَةِ أَوِ السُّنَّةِ أَوِ الْمِلَّةِ (الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ) ، أَيْ: خَلَقَ عَلَيْهَا (مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، أَيْ: بِتَرْكِكَ لِلصَّلَاةِ وَتَرْكِهَا تَعَمُّدًا كُفْرًا مُطْلَقًا عِنْدَ كَثِيرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ كَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَبِشَرْطِ الِاسْتِحْلَالِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ فَعَلَيْهِ الْفِطْرَةُ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى دِينِ الْإِسْلَامِ الْكَامِلِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطُّمَأْنِينَةَ وَاجِبَةٌ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَلَوْ مِتَّ مِتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ تَهْدِيدٌ عَظِيمٌ يَعْنِي: أَنَّكَ غَيَّرْتَ مَا وُلِدْتَ عَلَيْهِ مِنَ الْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ الَّتِي هِيَ دِينُ الْإِسْلَامِ، وَدَخَلْتَ فِي زُمْرَةِ الْمُبَدِّلِينَ لِدِينِ اللَّهِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ دَلَّ قَوْلُهُ لَا يُتِمُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ إِتْمَامَهَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ؟ قُلْتُ: قَدْ سَبَقَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَنْ قَالَ فِي رُكُوعِهِ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» اهـ.
وَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ إِذْ تَحَقَّقَ فِيمَا سَبَقَ أَنَّ الْمُرَادَ أَدْنَى كَمَالِهِ لَا أَدْنَى أَصْلِهِ، وَأَيْضًا هَذَا قَوْلُ صَحَابِيٍّ مُحْتَمِلٌ لِلِاجْتِهَادِ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ الْإِسْنَادِ، وَأَبْعَدَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: وَلَكَ أَنْ تَقُولَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ بِفَرْضِ أَنَّ حُذَيْفَةَ قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّهْدِيدِ لَا يَقُولُهُ إِلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ، وَمِنْ ثَمَّ قُلْتُ فِي بَعْضِ الْفَتَاوَى فِي حَدِيثِ: " «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ، فَلْيَمُتْ إِنْ شَاءَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا» " أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَإِنْ ضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ عَنْ عُمَرَ، وَهُوَ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ، فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ، فَصِحَّتُهُ عَنْ عُمَرَ تَسْتَلْزِمُ صِحَّتَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ تَرَكَ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَأَمَّا خُصُوصُ تَرْكِ الطُّمَأْنِينَةِ، فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَصْلًا اهـ.
وَوَجْهُ الْإِبْعَادِ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْحَدِيثِ بِالصِّحَّةِ وَالضَّعْفِ، إِنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ الْإِسْنَادِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ، لَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى؛ وَلِذَا يُحْكَمُ عَلَى حَدِيثٍ قَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ مُطَابِقًا لِمَا فِي الْقُرْآنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute