للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(١٤) بَابُ السُّجُودِ وَفَضْلِهِ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٨٨٧ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: الْجَبْهَةِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ، وَلَا نَكْفِتَ الثِّيَابَ وَلَا الشَّعْرَ» "، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

[١٤]- بَابُ السُّجُودِ وَفَضْلِهِ.

أَيْ: كَيْفِيَّتِهِ، (وَفَضْلِهِ) ، أَيْ: مَا وَرَدَ فِي فَضِيلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِانْفِرَادِهِ عِبَادَةٌ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٨٨٧ - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ» ) : جَمْعُ عَظْمٍ، أَيْ: أُمِرْتُ بِأَنْ أَضَعَ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ السَّبْعَةَ عَلَى الْأَرْضِ إِذَا سَجَدْتُ (عَلَى الْجَبْهَةِ) : بَدَلٌ بِإِعَادَةِ الْجَارِ وَيَتْبَعُهَا الْأَنْفُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْجَبْهَةُ مَا بَيْنَ الْجَبِينَيْنِ، وَهُمَا جَانِبَا الرَّأْسِ، وَقَدَّمَهَا لِشَرَفِهَا وَلِحُصُولِ مَقْصُودِ السُّجُودِ الَّذِي هُوَ غَايَةُ الْخُضُوعِ بِهِمَا (وَالْيَدَيْنِ) ، أَيِ: الْكَفَّيْنِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ بُطُونِهِمَا لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيِّ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ ضَمَّ أَصَابِعَهُ، وَجَعَلَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَيَرْفَعُ مِرْفِقَيْهِ، وَيَعْتَمِدُ عَلَى رَاحَتَيْهِ» ( «وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ» ) : اعْلَمْ أَنَّ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ: لَوْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ دُونَ أَنْفِهِ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ وَغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَإِنْ وَضَعَ أَنْفَهُ وَحْدَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، " وَقَالَا ": لَا يَجُوزُ السُّجُودُ بِالْأَنْفِ وَحْدَهُ إِلَّا إِذَا كَانَ بِجَبْهَتِهِ عُذْرٌ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ طَرَفِ أَحَدِ الْقَدَمَيْنِ، وَأَمَّا وَضْعُ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ فَسُنَّةٌ فِي السُّجُودِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَأَخَذَ أَئِمَّتُنَا مِنَ الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذِهِ السَّبْعَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَضْعُ الْأَنْفِ، وَأَجَابُوا عَنِ الْأَحَادِيثِ الظَّاهِرَةِ فِي وُجُوبِ وَضْعِهِ الَّذِي قَالَ بِهِ جَمْعٌ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ، كَخَبَرِ: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَالْيَدَيْنِ» إِلَخْ، وَكَالْخَبَرِ الصَّحِيحِ: «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ مَكَّنَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنَ الْأَرْضِ» ، وَكَرِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ: ( «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ» ) ، عَلَى الْجَبْهَةِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَنْفِهِ، وَالْيَدَيْنِ إِلَخْ، بِحَمْلِهَا عَلَى النَّدْبِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ يَجِبُ الْأَخْذُ بِهَا، نَعَمْ خَبَرُ " «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُصِيبُ أَنْفَهُ مِنَ الْأَرْضِ بِشَيْءٍ» " مُرْسَلٌ، وَرَفْعُهُ لَا يَثْبُتُ اهـ.

وَالْمُرْسَلُ حُجَّةٌ عِنْدَنَا، وَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ مِثْلُ هَذَا بِالرَّأْيِ " وَلَا نَكْفِتُ " بِكَسْرِ الْفَاءِ وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: بِالنَّصْبِ، أَيْ: نُهِينَا أَنْ نَضُمَّ وَنَجْمَعَ (الثِّيَابَ) ، وِقَايَةً مِنَ التُّرَابِ (وَلَا الشَّعْرَ) : بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتُسَكَّنُ، (وَلَا) مَزِيدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، وَهِيَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ، وَقِيلَ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّ التَّقْدِيرَ: وَأُمِرْتُ أَنْ لَا نَكْفِتَهُمَا بَلْ نَتْرُكُهُمَا حَتَّى يَقَعَا عَلَى الْأَرْضِ لِيَسْجُدَ بِجَمِيعِ الْأَعْضَاءِ وَالثِّيَابِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: فَبِهَذَا الْحَدِيثِ قَالُوا: يُكْرَهُ عَقْصُ الشَّعْرِ وَعَقْدُهُ خَلْفَ الْقَفَا وَرَفْعُ الثِّيَابِ عِنْدَ السُّجُودِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: يُكْرَهُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ تَنْزِيهًا ضَمُّ شَعْرِهِ وَثِيَابِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ قَبْلَ الصَّلَاةِ لِشُغْلٍ، وَصَلَّى عَلَى حَالِهِ خِلَافًا لِمَالِكٍ، وَمِنْ كَفْتِهِمَا أَنْ يَعْقِصَ الشَّعْرَ أَوْ يَضُمَّهُ تَحْتَ عِمَامَتِهِ، وَأَنْ يُشَمِّرَ ثَوْبَهُ أَوْ يَشُدَّ وَسَطَهُ، أَوْ يَغْرِزَ عَذْبَتَهُ، وَحِكْمَةُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ مَنْعُهُ مِنْ أَنْ يَسْجُدَ مَعَهُ، بِهَذَا قَالُوا، وَمِنْ حِكْمَتِهِ أَيْضًا مُنَافَاةُ ذَلِكَ لِلْخُشُوعِ إِنْ فَعَلَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لِهَيْئَةِ الْخَاشِعِ إِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ فِيهَا.

قَالَ الْقَاضِي: قَوْلُهُ: أُمِرْتُ يَدُلُّ عُرْفًا عَلَى أَنَّ الْآمِرَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُوبَ وَضْعِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ فِي السُّجُودِ عَلَى الْأَرْضِ، وَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِ أَقْوَالٌ، فَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّ الْوَاجِبَ وَضْعُ جَمِيعِهَا أَخْذًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّ الْوَاجِبَ وَضْعُ الْجَبْهَةِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي قِصَّةِ رِفَاعَةَ قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>