للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٨٩٦ - وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لِي: " سَلْ "، فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: " أَوَغَيْرَ ذَلِكَ؟ "، قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

٨٩٦ - (وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ) ، أَيِ: الْأَسْلَمِيِّ (قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ) : مِنَ الْبَيْتُوتَةِ، أَيْ: أَكُونُ فِي اللَّيْلِ (مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : وَلَعَلَّ هَذَا وَقَعَ لَهُ فِي سَفَرٍ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ: إِمَّا فِي السِّفْرِ أَوِ الْحَضَرِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَعِيَّةِ: الْقُرْبُ مِنْهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ نِدَاءَهُ إِذَا نَادَاهُ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ (فَأَتَاهُ) : أَيْ: فَأَجَاءَهُ (بِوَضُوئِهِ) : بِفَتْحِ الْوَاوِ، أَيْ: مَاءِ وَضُوئِهِ وَطَهَارَتِهِ (وَحَاجَتِهِ) ، أَيْ: سَائِرِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ نَحْوِ: سِوَاكٍ وَسِجَّادَةٍ (فَقَالَ لِي) ، أَيْ: فِي مَقَامِ الِانْبِسَاطِ قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، أَوْ فِي مَقَامِ الْمُكَافَأَةِ لِلْخِدْمَةِ (سَلْ) ، أَيِ: اطْلُبْ مِنِّي حَاجَةً، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أُتْحِفُكَ بِهَا فِي مُقَابَلَةِ خِدْمَتِكَ لِي؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ شَأْنُ الْكِرَامِ، وَلَا أَكْرَمَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ إِطْلَاقِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْأَمْرَ بِالسُّؤَالِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَكَّنَهُ مِنْ إِعْطَاءِ كُلِّ مَا أَرَادَ مِنْ خَزَائِنِ الْحَقِّ، وَمِنْ ثَمَّ عَدَّ أَئِمَّتُنَا مِنْ خَصَائِصِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ يَخُصُّ مَنْ شَاءَ بِمَا شَاءَ، كَجَعْلِهِ شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ بِشَهَادَتَيْنِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَكَتَرْخِيصِهِ فِي النِّيَاحَةِ لِأُمِّ عَطِيَّةَ فِي آلِ فُلَانٍ خَاصَّةً، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ: لِلشَّارِعِ أَنْ يَخُصَّ مِنَ الْعُمُومِ مَا شَاءَ، وَبِالتَّضْحِيَةِ بِالْعِنَاقِ لِأَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَ ابْنُ سَبْعٍ فِي خَصَائِصِهِ وَغَيْرُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَقْطَعَهُ أَرْضَ الْجَنَّةِ يُعْطِي مِنْهَا مَا شَاءَ لِمَنْ يَشَاءُ، قُلْتُ: أَسْأَلُكَ ( «فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ» ) ، أَيْ: كَوْنِي رَفِيقًا لَكَ إِلَى الْجَنَّةِ: بِأَنْ أَكُونَ قَرِيبًا مِنْكَ مُتَمَتِّعًا بِنَظَرِكَ (قَالَ) : وَفِي نُسْخَةٍ: فَقَالَ (أَوَ) : بِسُكُونِ الْوَاوِ وَتُفْتَحُ (غَيْرَ ذَلِكَ) : بِالنَّصْبِ وَيُرْفَعُ، قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى} [الأعراف: ٩٨] يَعْنِي: عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي " أَوَ " وَأَمَّا " أَهْلُ " فَمَرْفُوعٌ لَا غَيْرُ، وَتَقْدِيرُ الْحَدِيثِ، أَيْ: تَسْأَلُ ذَلِكَ، أَوَغَيْرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ أَهْوَنُ، أَوْ مَسْئُولُكَ ذَلِكَ، أَوَغَيْرَ ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ دَرَجَةٌ عَالِيَةٌ، فَأَوْ عَطْفٌ عَلَى مُقَرَّرٍ، فَيَجُوزُ فِي (غَيْرَ) النَّصْبُ وَالرَّفْعُ بِحَسَبِ التَّقْدِيرَيْنِ، وَقِيلَ: الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ وَ (غَيْرَ) نُصِبَ، فَالْمَعْنَى: أَثَابِتٌ أَنْتَ فِي طَلَبِكَ أَمْ لَا؟ ، وَتَسْأَلُ غَيْرَهُ وَهَذَا ابْتِلَاءٌ وَامْتِحَانٌ لِيَنْظُرَ هَلْ يَثْبُتُ عَلَى ذَلِكَ الْمَطْلُوبِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ فَإِنَّ الثَّبَاتَ عَلَى طَلَبٍ أَعْلَى الْمَقَامَاتِ مِنْ أَتَمِّ الْكَمَالَاتِ، (قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ) ، أَيْ: سُؤَالِي مُرَافَقَتَكَ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنٍ أَوْ عَاطِفَةٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِفْهَامِ: مَسْئُولِي ذَلِكَ لَا أَتَجَاوَزُ عَنْهُ، قُلْتُ: سُبْحَانَ مَنْ جَمَعَ لَهُ بَيْنَ حُسْنِ الْخِدْمَةِ وَعُلُوِّ الْهِمَّةِ، (قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ) ، أَيْ: كُنْ لِي عَوْنًا فِي إِصْلَاحِ نَفْسِكَ لِمَا تَطْلُبُ (بِكَثْرَةِ السُّجُودِ) : فِي الدُّنْيَا حَتَّى تُرَافِقَنِي فِي الْعُقْبَى قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ الْعَالِيَةَ لَا تَحْصُلُ، بِمُجَرَّدِ السُّجُودِ، بَلْ بِهِ مَعَ دُعَائِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَهُ وَلَّاهَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي قَوْلِهِ " عَلَى نَفْسِكَ " إِيذَانٌ بِأَنَّ نَيْلَ الْمَرَاتِبِ الْعَلِيَّةِ، إِنَّمَا يَكُونُ بِمُخَالَفَةِ النَّفْسِ الدَّنِيَّةِ، قَالَ الْمُظْهِرُ: أَوْ بِسُكُونِ الْوَاوِ، وَقَالَ مُحْيِيِ الدِّينِ: بِفَتْحِهَا، فَالْوَاوُ عَاطِفَةٌ تَقْتَضِي مَعْطُوفًا عَلَيْهِ وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ " تَدَّعِي " فِعْلًا، وَالْمَعْنَى عَلَيَّ: الْأَوَّلُ سَلْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَأَجَابَ: هُوَ ذَاكَ أَيْ مَسْئُولِي ذَلِكَ " لَا أَنْتَهِي " عَنْهُ، وَعَلَى الثَّانِي: أَتَسْأَلُ هَذَا وَهُوَ شَاقٌّ وَتَتْرُكُ مَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْهُ؟ فَأَجَابَ سُؤَالِي ذَلِكَ لَا أَتَجَاوَزُ عَنْهُ، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظِ ذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى بُعْدِهِ لِيَنْتَهِيَ السَّائِلُ عَنْهُ امْتِحَانًا مِنْهُ، فَلَمَّا عَلِمَ تَصْمِيمَهُ عَلَى عَزْمِهِ، أَجَابَ بِقَوْلِهِ: " أَعْنِي "، وَفِيهِ أَنَّ مُرَافَقَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنَّةِ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِقُرْبٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>