وَضَعَ الْغُرَابُ مِنْقَارَهُ فِيمَا يُرِيدُ أَكْلَهُ ( «وَافْتِرَاشِ السَّبُعِ» ) : وَهُوَ أَنْ يَضَعَ سَاعِدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ فِي السُّجُودِ (وَأَنْ يُوَطِّنَ) : بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا ( «الرَّجُلُ الْمَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرُ» ) : يُقَالُ: أَوْطَنَ الْأَرْضَ وَوَطَّنَهَا وَاسْتَوْطَنَهَا إِذَا اتَّخَذَهَا وَطَنًا، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي النِّهَايَةِ، عَنِ الْحُلْوَانِيِّ: أَنَّهُ ذُكِرَ فِي الصَّوْمِ عَنْ أَصْحَابِنَا، يُكْرَهُ أَنْ يَتَّخِذَ فِي الْمَسْجِدِ مَكَانًا مُعَيَّنًا يُصَلِّي فِيهِ ; لِأَنَّ الْعِبَادَةَ تَصِيرُ لَهُ طَبْعًا فِيهِ، وَتَثْقُلُ فِي غَيْرِهِ، وَالْعِبَادَةُ إِذَا صَارَتْ طَبْعًا فَسَبِيلُهَا التَّرْكُ، وَلِذَا كُرِهَ صَوْمُ الْأَبَدِ اهـ، فَكَيْفَ مَنِ اتَّخَذَهُ لِغَرَضٍ آخَرَ فَاسِدٍ؟ اهـ.
وَفِي النِّهَايَةِ: قِيلَ مَعْنَاهُ أَنْ يَأْلَفَ الرَّجُلُ مَكَانًا مَعْلُومًا مِنَ الْمَسْجِدِ مَخْصُوصًا بِهِ يُصَلِّي فِيهِ، كَالْبَعِيرِ لَا يَأْوِي عَنْ عَطَنٍ إِلَّا إِلَى مَبْرَكٍ دَمِثٍ قَدْ أَوْطَنَهُ وَاتَّخَذَهُ مُنَاخًا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنْ يَبْرُكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ إِذَا أَرَادَ السُّجُودَ مِثْلَ بُرُوكِ الْبَعِيرِ، نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ، وَالْمَعْنَى الثَّانِي: لَا يَصِحُّ هُنَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُشَبَّهًا بِهِ، وَأَيْضًا لَوْ كَانَ أُرِيدَ هَذَا الْمَعْنَى لَمَا اخْتُصَّ النَّهْيُ بِالْمَكَانِ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا ذُكِرَ قَالَ: عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْأَوَّلُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَحِكْمَتُهُ أَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى الشُّهْرَةِ، وَالرِّيَاءِ، وَالسُّمْعَةِ، وَالتَّقَيُّدِ بِالْعَادَاتِ، وَالْحُظُوظِ، وَالشَّهَوَاتِ، وَكُلُّ هَذِهِ آفَاتٌ، أَيْ آفَاتٌ فَتَعَيَّنَ الْبُعْدُ عَمَّا أَدَّى إِلَيْهَا مَا أَمْكَنَ، (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي " صَحِيحَيْهِمَا، قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ.
وَعَنْ أَبِي عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا سَجَدْتَ فَمَكِّنْ جَبْهَتَكَ مِنَ الْأَرْضِ، وَلَا تَنْقُرْ نَقْرًا» " رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ كَذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ حَذَفَ لَفْظَ: " مِنَ الْأَرْضِ " وَمِنَ الْعَجَبِ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: أَنَّهُ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ، نَعَمْ لَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى ضَعِيفَةٌ أَخْرَجَهَا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، قَالَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute