(وَعَقَدَ) : أَيِ: الْيُمْنَى، وَالْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ، فَيَحْتَمِلُ الْمَعِيَّةَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، وَيَحْتَمِلُ الْبُعْدِيَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مُخْتَارِ ابْنِ الْهُمَامِ (ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ) : وَهُوَ أَنْ يَعْقِدَ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرَ وَالْوُسْطَى، وَيُرْسِلَ الْمُسَبِّحَةَ، وَيَضُمَّ الْإِبْهَامَ إِلَى أَصْلِ الْمُسَبِّحَةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَلِلْفُقَهَاءِ فِي كَيْفِيَّةِ عَقْدِهَا وُجُوهٌ، أَحَدُهَا: مَا ذَكَرْنَا، وَالثَّانِي: أَنْ يَضُمَّ الْإِبْهَامَ إِلَى الْوُسْطَى الْمَقْبُوضَةِ كَالْقَابِضِ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ، فَإِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ رَوَاهُ كَذَلِكَ.
قَالَ الْأَشْرَفُ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ يَعْرِفُ هَذَا الْعَقْدَ وَالْحِسَابَ الْمَخْصُوصَ، وَالثَّالِثُ: أَنْ يَقْبِضَ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرَ، وَيُرْسِلَ الْمُسَبِّحَةَ، وَيُحَلِّقَ الْإِبْهَامَ وَالْوُسْطَى، كَمَا رَوَاهُ وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ اهـ، وَالْأَخِيرُ هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا، قَالَ الرَّافِعِيُّ: الْأَخْبَارُ وَرَدَتْ بِهَا جَمِيعًا، وَكَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَضَعُ مَرَّةً هَكَذَا وَمَرَّةً هَكَذَا، (وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ رَفَعَهَا عِنْدَ قَوْلِهِ: إِلَّا اللَّهُ لِيُطَابِقَ الْقَوْلُ الْفِعْلَ عَلَى التَّوْحِيدِ اهـ.
وَعِنْدَنَا: يَرْفَعُهَا عِنْدَ لَا إِلَهَ، وَيَضَعُهَا عِنْدَ إِلَّا اللَّهُ لِمُنَاسَبَةِ الرَّفْعِ لِلنَّفْيِ، " وَمُلَاءَمَةِ " الْوَضْعِ لِلْإِثْبَاتِ، وَمُطَابَقَةً بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ حَقِيقَةً، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: سُمِّيَتْ بِالسَّبَّابَةِ لِأَنَّهُ كَانَ يُشَارُ بِهَا عِنْدَ الْمُخَاصَمَةِ وَالسَّبِّ، وَسُمِّيَتْ أَيْضًا مُسَبِّحَةً لِأَنَّهُ يُشَارُ بِهَا إِلَى التَّوْحِيدِ وَالتَّنْزِيهِ، فَانْدَفَعَ النَّظَرُ فِي تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ آلَةَ التَّسْبِيحِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا تُنَافِي مَعْرِفَةُ ابْنِ عُمَرَ لِهَذَا الْعَقْدِ وَالْحِسَابِ الْمَخْصُوصِ الَّذِي هُوَ فِي غَايَةِ الدِّقَّةِ وَالْخَفَاءِ الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ: " «إِنَّا أُمَّةٌ أُمَيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسِبُ» "، حَمْلًا لِهَذَا عَلَى الْأَكْثَرِ مِنْهُمْ، أَوْ عَلَى نَفْيِ الْحِسَابِ الْمَذْمُومِ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى التَّنْجِيمِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ خُصَّتِ الْمُسَبِّحَةُ ; لِأَنَّهَا لَهَا اتِّصَالٌ بِنِيَاطِ الْقَلْبِ، فَكَانَ سَبَبًا لِحُضُورِهِ، وَالْيُمْنَى مِنَ الْيُمْنِ بِمَعْنَى الْبَرَكَةِ، فَأُشِيرَ بِقَبْضِ الْيَمِينِ إِلَى التَّفَاؤُلِ بِحُصُولِ الْخَيْرَاتِ لِلْمُصَلِّي، وَأَنَّهُ يَحْفَظُهَا عَنِ الضَّيَاعِ وَاطِّلَاعِ الْأَغْيَارِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute