للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الطَّيِّبَاتُ، الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، وَاخْتَارَهُ مَالِكٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ قَدِيمًا (" السَّلَامُ عَلَيْكَ ") : قِيلَ: مَعْنَاهُ اسْمُ السَّلَامِ، أَيِ: اسْمُ اللَّهِ عَلَيْكَ، فَإِنَّهُ مَنْ أَعَانَهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ الْمُسَلِّمُ لِعِبَادِهِ مِنَ الْآفَاتِ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: السَّلَامُ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ، وَمَنْ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَلِمَ مِنَ الْآفَاتِ كُلِّهَا وَقِيلَ: السَّلَامَةُ مِنَ الْآفَاتِ كُلِّهَا عَلَيْكَ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَجَاءَ فِي فَضْلِ السَّلَامِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثُ، مِنْهَا: لَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ بُعِثْتُ مَا مَرَرْتُ بِشَجَرٍ وَلَا حَجَرٍ إِلَّا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمِنْهَا إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ وَإِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ، وَفِي لَفْظِهِ: إِنَّ بِمَكَّةَ لَحَجَرًا يُسَلِّمُ عَلَيَّ لَيَالِيَ بُعِثْتُ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ إِذَا مَرَرْتُ عَلَيْهِ، قِيلَ: وَهُوَ الْحَجَرُ الْبَارِزُ الْآنَ بِزُقَاقِ الْمَوْقَفِ الْمُقَابِلِ لِبَابِ الْجَائِزِ، (" أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ") : وَهِيَ لُغَةُ عَطْفٍ وَمَيْلٍ نَفْسَانِيٍّ، وَغَايَتُهَا التَّفَضُّلُ وَالْإِحْسَانُ وَالْإِنْعَامُ، أَوْ إِرَادَةُ ذَلِكَ، وَلِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أُرِيدَ بِهَا غَايَتُهَا الَّتِي هِيَ صِفَةُ فِعْلٍ أَوْ صِفَةُ ذَاتٍ (" وَبَرَكَاتُهُ ") : وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّ خَيْرٍ فَائِضٍ مِنْهُ تَعَالَى عَلَى الدَّوَامِ، وَقِيلَ: الْبَرَكَةُ الزِّيَادَةُ فِي الْخَيْرِ، وَإِنَّمَا جُمِعَتِ الْبَرَكَةُ دُونَ السَّلَامِ وَالرَّحْمَةِ لِأَنَّهُمَا مَصْدَرَانِ (" السَّلَامُ عَلَيْنَا ") ، أَيْ: مَعْشَرَ الْحَاضِرِينَ مِنَ الْمُصَلَّى، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَمُؤْمِنِي الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَقُدِّمَ أَنْفُسُهُمْ لِأَنَّهُ أَدَبُ الدُّعَاءِ، وَقُدِّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ الْوَسِيلَةُ، (" وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ - فَإِنَّهُ ") ، أَيِ الشَّأْنَ أَوِ الْمَصْلَحَةَ (" إِذَا قَالَ ذَلِكَ أَصَابَ ") : فَاعِلُهُ ضَمِيرُ ذَلِكَ، أَيْ: أَصَابَ ثَوَابَ هَذَا الدُّعَاءِ أَوْ بَرَكَاتِهِ (" كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ ") : قُيِّدَ بِهِ ; لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَا يَصْلُحُ لِلْمُفْسِدِ، وَالصَّالِحُ هُوَ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ الْعِبَادِ، عَلَى مَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ عَنِ الزَّجَّاجِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ كُلُّ مُسْلِمٍ (فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) ، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَعْلَمَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الدُّعَاءَ لِلْمُؤْمِنِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَامِلًا لَهُمْ وَعَمَّهُمْ مَا يَعُمُّهُمْ وَأَمَرَهُمْ بِإِفْرَادِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالذِّكْرِ لِشَرَفِهِ وَمَزِيدِ جَبْهَتِهِ وَتَخْصِيصِ أَنْفُسِهِمْ، فَإِنَّ الِاهْتِمَامَ بِهَا أَهَمُّ (" أَشْهَدُ ") ، أَيْ: أَعْلَمُ بِالْجِنَانِ وَأُبَيِّنُ بِاللِّسَانِ (أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) ، أَيْ: لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ فِي الْوُجُودِ إِلَّا اللَّهُ الْوَاجِبُ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ (" وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ") ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: رُوِيَ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عُرِجَ بِهِ أَثْنَى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» اهـ، وَبِهِ يَظْهَرُ وَجْهُ الْخِطَابِ، وَأَنَّهُ عَلَى حِكَايَةِ مِعْرَاجِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ مِعْرَاجُ الْمُؤْمِنِينَ (" ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ ") ، أَيْ: لِيَخْتَرْ (" مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ ") ، أَيْ: أَحَبَّ الدُّعَاءِ وَأَرْضَاهُ مِنَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (" فَيَدْعُوهُ ") ، أَيْ: فَيَقْرَأُ الدُّعَاءَ الْأَعْجَبَ، وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ فَيَدْعُو بِهِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ، وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ فَيَدْعُو اللَّهَ بِهِ وَحُذِفَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِلْعِلْمِ بِهِ، وَقِيلَ: هُوَ بِالنَّصْبِ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الدُّعَاءَ الْأَعْجَبَ هُوَ مَا وَرَدَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ مُعَلِّمُ الْأَدَبِ، (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ إِلَّا أَنَّ النَّسَائِيَّ قَالَ فِي رِوَايَةٍ: سَلَامٌ عَلَيْنَا مُنَكِّرًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ اهـ، وَنَقَلَ مُلَّا حَنَفِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْحِصْنِ عَنِ الْعَسْقَلَانِيِّ: أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِحَذْفِ اللَّامِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ. تَمَّ كَلَامُهُ، وَبِالْجُمْلَةِ، فَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَصَحُّ مَا وَرَدَ فِي أَلْفَاظِ التَّشَهُّدِ، فَالْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى وَأَتَمُّ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ مِنْهُمُ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدَّوْلَةِ السِّمْنَانِيُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>