تَعْظِيمِي، وَقِيلَ: خَابَ وَخَسِرَ مَنْ قَدَرَ بِأَنْ يَتَفَوَّهَ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيُوجِبَ لِنَفْسِهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ مِنَ اللَّهِ، وَيُرْفَعَ بِهَا عَشْرَ دَرَجَاتٍ، وَيُحَطَّ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ، فَلَمْ يَفْعَلْ، (" «وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ» ") ، أَيِ: انْتَهَى أَوِ انْقَضَى.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: كَانَ وَجْهُ الْإِتْيَانِ (بِثُمَّ) ، هُنَا أَنَّ بَيْنَ ابْتِدَاءِ رَمَضَانَ وَبَيْنَ انْقِضَائِهِ مُهْلَةً طَوِيلَةً، بِخِلَافِ سَمَاعِ ذِكْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهَا تُطْلَبُ عَقِبَ السَّمَاعِ مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ، وَكَذَا بِرُّ الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّهُ يَتَأَكَّدُ عَقِبَ احْتِيَاجِهِمَا الْمُكَنَّى عَنْهُ بِالْكِبَرِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: (ثُمَّ) ، هَذِهِ اسْتِبْعَادِيَّةٌ كَمَا فِي قَوْلِكَ لِصَاحِبِكَ: بِئْسَ مَا فَعَلْتَ وَجَدْتَ مِثْلَ تِلْكَ الْفُرْصَةِ ثُمَّ لَمْ تَنْتَهِزْهَا، وَكَذَا الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ وَيُدْخِلَاهُ، وَيُؤَيِّدُهُ، وُرُودُ الْحَدِيثِ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ: ثُمَّ بَدَلَ الْفَاءِ فِي قَوْلِهِ: (فَلَمْ يُدْخِلَاهُ) ، وَنَظِيرُ وُقُوعِ الْفَاءِ مَوْقِعَ ثُمَّ فِي الِاسْتِبْعَادِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا} [الكهف: ٥٧] فِي الْكَهْفِ، {ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} [السجدة: ٢٢] فِي السَّجْدَةِ اهـ.
فَجَاءَتْ ثُمَّ بَعْدَ الْفَاءِ فِي الْقُرْآنِ لِإِفَادَةِ التِّبْيَانِ (" قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ ") ، أَيْ: بِأَنَّ لَمْ يَتُبْ فِيهِ أَوْ لَمْ يُعَظِّمْهُ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الطَّاعَةِ حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ، أَوْ لِسُوءِ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ مِنْ رِيَاءٍ وَنَحْوِهِ أَبْطَلَ عَمَلَهُ الْمُقْتَضِيَ لِلْمَغْفِرَةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الظَّاهِرُ (وَلَمْ يُغْفَرْ) ، وَإِنَّمَا عَدَلَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ تَرَاخِيَ الْغُفْرَانِ مِنْ تَقْصِيرِهِ، وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ قَبْلَ انْسِلَاخِهِ، (" «وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَمْ يُدْخِلَاهُ» ") ، أَيْ: أَوْ لَمْ يُدْخِلْهُ (" الْجَنَّةَ ") : الْإِسْنَادُ مَجَازِيٌّ، فَإِنَّ الْمُدْخِلَ حَقِيقَةً هُوَ اللَّهُ يَعْنِي لَمْ يَخْدِمْهُمَا حَتَّى يَدْخُلَ بِسَبَبِهِمَا الْجَنَّةَ، (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، ذَكَرَهُ مِيرَكُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَطُرُقُهُ كَثِيرَةٌ بَعْضُهَا صَحِيحٌ، وَبَعْضُهَا حَسَنٌ، وَبَعْضُهَا ضَعِيفٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute