وَيَقْطَعُهَا بِحَيْثُ لَا يَكُونُ بَلَدٌ إِلَّا دَخَلَهُ غَيْرَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَآخِرُ الْأَمْرِ يَقْتُلُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ فِي مُحَاصَرَةِ الْقُدْسِ، وَأَمَّا الْمَسِيحُ الَّذِي هُوَ لَقَبُ عِيسَى فَأَصْلُهُ الْمَسِيحَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَهُوَ الْمُبَارَكُ، أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ يُكْثِرُ الْمَسْحَ يَمْسَحُ ذَا آفَةٍ فَيَبْرَأُ، أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ سَيَّاحًا كَثِيرَ السَّيْرِ فِي الْأَرْضِ، أَوْ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ مَمْسُوحًا بِالدُّهْنِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ زَكَرِيَّا مَسَحَهُ، وَقِيلَ: إِذَا أُرِيدَ بِهِ الدَّجَّالُ قُيِّدَ بِهِ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ: الْمِسِّيحُ بِالتَّثْقِيلِ الدَّجَّالُ، وَبِالتَّخْفِيفِ عِيسَى، قَالَ الشَّيْخُ: الْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، وَحُكِيَ عَنِ الْبَعْضِ أَنَّهُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فِي الدَّالِ، وَنُسِبَ قَائِلُهُ إِلَى التَّصْحِيفِ، قَالَهُ الْأَبْهَرِيُّ، وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ هُوَ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَقَطْ، (" «وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ» ") : مَفْعَلٌ مِنَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: فِتْنَةُ الْمَحْيَا الِابْتِلَاءُ مَعَ زَوَالِ الصَّبْرِ، وَالرِّضَا وَالْوُقُوعِ فِي الْآفَاتِ، وَالْإِصْرَارِ عَلَى السَّيِّئَاتِ، وَفِتْنَةُ الْمَمَاتِ سُؤَالُ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ مَعَ الْحَيْرَةِ، وَالْخَوْفِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ اهـ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِفِتْنَةِ الْمَمَاتِ الِابْتِلَاءَ عِنْدَ النَّزْعِ، أَوِ الْمُرَادُ بِالْفِتْنَتَيْنِ عَذَابَ الدُّنْيَا وَعِقَابَ الْعُقْبَى، وَالْأَشَدُّ مِنْهُمَا حِجَابُ الْمَوْلَى، وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَقُدِّمَ عَذَابُ الْقَبْرِ عَلَى فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، لِأَنَّهُ أَطْوَلُ زَمَانًا وَأَعْظَمُ شَأْنًا وَأَعَمُّ امْتِحَانًا، (" «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ» ") : إِمَّا مَصْدَرُ أَثِمَ الرَّجُلُ، أَوْ مَا فِيهِ الْإِثْمُ، أَوْ مَا يُوجِبُ الْإِثْمَ (" وَالْمَغْرَمِ ") : وَفِي نُسْخَةٍ: " مِنَ الْمَغْرَمِ " وَهُوَ كُلُّ مَا يَلْزَمُ الْإِنْسَانَ أَدَاؤُهُ؛ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْغَرَامَةِ، وُضِعَ مَوْضِعَ الِاسْمِ، قِيلَ: إِنَّهُ كَالْغُرْمِ، بِمَعْنَى الدَّيْنِ، وَيُرِيدُ بِهِ مَا اسْتُدِينَ فِيمَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ، أَوْ فِيمَا يَجُوزُ، ثُمَّ عَجَزَ عَنْهُ، وَإِمَّا دَيْنٌ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَيَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهِ فَلَا يُسْتَعَاذُ مِنْهُ قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَالظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ لِمَا وَرَدَ: أَنَّ الدَّيْنَ شَيْنِ الدِّينِ ; لِأَنَّ فِيهِ الذُّلَّ حَالًا، وَخَطَرَ عَدَمِ الْوَفَاءِ اسْتِقْبَالًا، وَالضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ، (فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ) ، أَيْ: عَائِشَةُ كَمَا فِي النَّسَائِيِّ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ (مَا أَكْثَرَ) : بِالنَّصْبِ وَمَا تَعَجُّبِيَّةٌ (مَا تَسْتَعِيذُ) : مَا مَصْدَرِيَّةٌ، أَيِ: اسْتِعَاذَتُكَ (مِنَ الْمَغْرَمِ! فَقَالَ: " إِنَّ الرَّجُلَ ") : الْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ وَغَالِبُ حَالِهِ إِذَا أُغْرِمَ، أَيْ: لَزِمَهُ دَيْنٌ، وَالْمُرَادُ اسْتَدَانَ وَاتَّخَذَ ذَلِكَ دَأْبَهُ وَعَادَتَهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ (حَدَّثَ) أَيْ: أَخْبَرَ عَنْ مَاضِي الْأَحْوَالِ لِتَمْهِيدِ عُذْرٍ فِي التَّقْصِيرِ (" فَكَذَبَ ") : لِأَنَّهُ إِذَا تَقَاضَاهُ رَبُّ الدَّيْنِ وَلَمْ يَحْضُرْهُ مَا يُؤَدِّي بِهِ دَيْنُهُ يَكْذِبُ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ يَدِهِ، وَيَقُولَ: لِي مَالٌ غَائِبٌ إِذَا حَضَرَ أُؤَدِّي دَيْنَكَ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ حَدَّثَ النَّاسَ عَنْ حَالِهِ وَمُعَامَلَتِهِ، فَكَذَبَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَحْمِلَهُمْ عَلَى إِدَانَتِهِ وَإِنْ كَانَ مُعْدِمًا، أَوِ الصَّبْرِ عَلَيْهِ لِيَرْبَحَ فِيهِ شَيْئًا يَبْقَى لَهُ قَبْلَ وَفَائِهِ (" وَوَعَدَ ") ، أَيْ: فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِأَنْ يَقُولَ: أُعْطِيكَ غَدًا أَوْ فِي الْمُدَّةِ الْفُلَانِيَّةِ (" فَأَخْلَفَ ") ، أَيْ: فِي وَعْدِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَوَعَدَ بِالْوَفَاءِ أَوْ غَيْرِهِ مُطْلَقًا أَوْ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ فَأَخْلَفَ طَمَعًا فِي بَقَاءِ الْمَالِ فِي يَدِهِ، أَوْ لِسُوءِ تَدْبِيرِهِ وَتَصَرُّفِهِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ (غَرِمَ) ، شَرْطٌ وَ (حَدَّثَ) جَزَاءٌ وَ (كَذَبَ) مُتَرَتِّبٌ عَلَى الْجَزَاءِ (وَوَعَدَ) ، عَطْفٌ عَلَى حَدَّثَ (وَحَدَّثَ) لَا عَلَى (غَرِمَ) خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ لِفَسَادِ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَ (أَخْلَفَ) مُتَرَتِّبٌ عَلَيْهِ، (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : قَالَ مِيرَكُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute