٩٧٠ - وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ: اللَّهَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ - أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَلَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ - أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً» "، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
٩٧٠ - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَأَنْ أَقْعُدَ ") ، أَيْ: لَقُعُودِي وَاللَّامُ لِلِابْتِدَاءِ، وَجَعَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ لِلْقَسَمِ، (" مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ ") : وَهُوَ يَعُمُّ الدُّعَاءَ وَالتِّلَاوَةَ وَمُذَاكَرَةَ الْعِلْمِ وَذِكْرَ الصَّالِحِينَ (" مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ ") ، أَيِ: الصُّبْحِ (" حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، أَحَبُّ ") ، أَيْ: أَفْضَلُ: (" إِلَيَّ ") ، أَيْ: عِنْدِي (" مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ") : بِفَتْحِ الْوَاوِ وَاللَّامِ وَبِضَمِّ الْأَوَّلِ وَسُكُونٍ الثَّانِي، خَصَّصَ بَنِي إِسْمَاعِيلَ لِشَرَفِهِمْ وَإِنَافَتَهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْعَرَبِ، وَالْعَرَبُ أَفْضَلُ الْأُمَمِ، وَلِقُرْبِهِمْ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَزِيدِ اهْتِمَامِهِ بِهِمْ، (" «وَلَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً» ") : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: إِطْلَاقُ الْأَرِقَّا وَالْعِتْقِ عَلَيْهِمْ عَلَى الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ، يَعْنِي فَلَا يَصْلُحُ كَوْنُهُ دَلِيلًا لِلشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ ضَرْبُ الرِّقِّ عَلَى الْعَرَبِ ; إِذْ لَوِ امْتَنَعَ رِقُّهُمْ لَمْ يَقُلْ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّ هَذَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ عِتْقِهِمْ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ وَقَالَ: فِيهِ أَوْضَحُ دَلِيلٍ لِلشَّافِعِيِّ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ وَاضِحٍ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ أَوْضَحَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَتَخْصِيصُ الْأَرْبَعَةِ لَا يُعْلَمُ إِلَّا مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَيَجِبُ عَلَيْنَا التَّسْلِيمُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِانْقِسَامِ الْعَمَلِ الْمَوْعُودِ عَلَيْهِ أَرْبَعَةً، وَقِيلَ فِي بَيَانِهِ، وَلَعَلَّ ذِكْرَ أَرْبَعَةٍ لِأَنَّ الْمُفَضَّلَ مَجْمُوعُ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: ذِكْرُ اللَّهِ، وَالْقُعُودُ لَهُ، وَالِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ، وَالِاسْتِمْرَارُ بِهِ إِلَى الطُّلُوعِ أَوِ الْغُرُوبِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: الْأَرْبَعَةُ هِيَ الْقُعُودُ أَيْ لِذِكْرِ اللَّهِ، وَكَوْنِهِ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ، وَكَوْنِ ذَلِكَ مِنَ الْغَدْوَةِ أَوِ الْعَصْرِ وَاسْتِمْرَارُهُ إِلَى الطُّلُوعِ أَوِ الْغُرُوبِ اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُعُودِ مَعَهُمُ اسْتِمْرَارُهُ مَعَهُمْ فَلَا يُنَافِي قِيَامَهُ تَعْظِيمًا لِبَعْضِهِمْ حَيًّا أَوْ لِجِنَازَتِهِمْ مَيِّتًا، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي قَوْلِهِ: أَرْبَعَةٌ أَوَّلًا مَعْرِفَةٌ وَفِي الثَّانِي نَكِرَةٌ ; لِتُفِيدَ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ هُنَا غَيْرُ الْأَرْبَعَةِ ثَمَّةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَشْهَرَ أَنَّ إِعَادَةَ النَّكِرَةِ بِعَيْنِهَا تَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بِخِلَافِ الْمَعْرِفَةِ اهـ، وَهُوَ غَرِيبٌ مِنْهُ مَبْنًى وَمَعْنًى مَعَ أَنَّهُمَا جُمْلَتَانِ مُسْتَقِلَّتَانِ، (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
قَالَ مِيرَكُ: وَسَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُدَ، وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى أَيْضًا، وَقَالَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ: " أَرْبَعَةٌ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ دِيَةُ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا، فَانْدَفَعَ تَرْدِيدُ ابْنِ حَجَرٍ لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِ حَيْثُ قَالَ: وَلَمْ يَقُلْ هُنَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مُرَادٌ، وَحُذِفَ مِنَ الثَّانِي لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، وَالْفَرْقُ أَنَّ أَوَائِلَ النَّهَارِ أَحَقُّ بِأَنْ تُسْتَغْرَقَ بِالذِّكْرِ ; لِأَنَّ النَّشَاطَ فِيهَا أَكْثَرُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ صَحَّ فِيهِ أَنَّ إِحْيَاءَهُ بِالذِّكْرِ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَلَمْ يَرِدْ نَظِيرُ ذَلِكَ فِيمَا بَعْدَ الْعَصْرِ اهـ، وَقَدْ يُقَالُ آخِرُ النَّهَارِ أَوْلَى بِأَنْ يُسْتَغْرَقَ بِالذِّكْرِ تَدَارُكًا لِمَا فَاتَهُ أَوْ وَقَعَ مِنْهُ تَقْصِيرٌ، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ تَخْصِيصِ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ نَفْيُ مَا عَدَاهُ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute