أَيْ: لَتُسْلَبَنَّ (" أَبْصَارُهُمْ ") : إِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَنْ ذَلِكَ، قِيلَ: أَوْ " لَتُخْطَفَنَّ " عُطِفَ عَلَى " لَيَنْتَهِيَنَّ " تَرَدَّدَ بَيْنَ الِانْتِهَاءِ عَنِ الرَّفْعِ وَمَا هُوَ كَاللَّازِمِ لِنَقِيضِهِ، وَالْمَعْنَى: وَاللَّهِ لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنِ الرَّفْعِ أَوْ لَتُسْلَبَنَّ أَبْصَارُهُمْ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يُوهِمُ نِسْبَةَ الْعُلُوِّ الْمَكَانِيِّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَوْ هُنَا لِلتَّخْيِيرِ قَدِيدًا، أَيْ: لَيَكُونَنَّ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [الأعراف: ٨٨] وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: ١٦] ، أَيْ: يَكُونُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا، إِمَّا الْمُقَاتَلَةُ أَوِ الْإِسْلَامُ، وَإِمَّا إِخْرَاجُكُمْ وَإِمَّا عَوْدَتُكُمْ فِي الْكُفْرِ، فَهُوَ خَبَرٌ. بِمَعْنَى الْأَمْرِ فِي هَذَيْنِ وَالْحَدِيثِ، قَالَ الْقَاضِيَ عِيَاضٌ: اخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَةِ رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى السَّمَاءِ فِي الدُّعَاءِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، فَكَرِهَهُ الْقَاضِي شُرَيْحٌ وَآخَرُونِ، وَجَوَّزَهُ الْأَكْثَرُونَ ; لِأَنَّ السَّمَاءَ قِبْلَةُ الدُّعَاءِ، كَمَا أَنَّ الْكَعْبَةَ قِبْلَةُ الصَّلَاةِ فَلَا يُنْكَرُ رَفْعُ الْبَصَرِ إِلَيْهَا، كَمَا لَا يُنْكَرُ رَفْعُ الْيَدِ فِي الدُّعَاءِ، قُلْتُ: فِيهِ أَنَّ رَفْعَ الْيَدِ فِي الدُّعَاءِ مَأْثُورٌ مَأْمُورٌ، وَرَفْعَ الْبَصَرِ فِيهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ فِي آدَابِ الدُّعَاءِ فِي الْحِصْنِ، (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَرَوَى الْبُخَارِيُّ " «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ " فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ: " لَيَنْتَهِيَنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ» "، وَصَحَّ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَرْفَعُ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَلَمَّا نَزَلَ {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: ٢] طَأْطَأَ رَأْسَهُ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute