وَيَخْتَلِطَ كَلَامُهُ، وَيَدْهَشَ فِي أَمْرِهِ، وَيَخْتَلَّ عَقْلُهُ، وَيَجِيءُ أَحْوَالُ بَقِيَّتِهِمْ فِي آخِرِ الْكِتَابِ مِنْ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَقْعَدَ وَأَسْكَتَ، وَبَعْضُهُمْ أَنْكَرَ مَوْتَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَظْهَرَ اللَّهُ فَضْلَ الصِّدِّيقِ بِثَبَاتِ قَدَمِ صِدْقِهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْوَسْوَسَةُ حَدِيثُ النَّفْسِ، وَهُوَ لَازِمٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ: يُوَسْوِسُ بِالْكَسْرِ، وَالْفَتْحُ لَحْنٌ (قَالَ عُثْمَانُ: وَكُنْتُ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْبَعْضِ الَّذِي اشْتَدَّ حُزْنُهُ حَتَّى كَادَ أَنْ يُوَسْوِسَ، وَيَذْهَلَ عَنِ الْحِسِّ (فَبَيْنَا) أَيْ بَيْنَ أَوْقَاتٍ (أَنَا جَالِسٌ) أَيْ مُتَفَكِّرٌ مُتَحَيِّرٌ (مَرَّ عَلَيَّ عُمَرُ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَشْعُرْ) أَيْ لِشِدَّةِ مَا أَصَابَنِي مِنَ الذُّهُولِ لِذَلِكَ الْهَوْلِ (بِهِ) أَيْ بِمُرُورِهِ أَوْ سَلَامِهِ، أَوْ بِهِمَا، وَهُوَ الْأَظْهَرُ (فَاشْتَكَى عُمَرُ) مُعَاتَبَةً (إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، ثُمَّ أَقْبَلَا) كِلَاهُمَا (حَتَّى سَلَّمَا عَلَيَّ جَمِيعًا) أَيْ فَرَدَدْتُ عَلَيْهِمَا (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ لَا تَرُدُّ عَلَى أَخِيكَ عُمَرَ سَلَامَهُ؟) أَيْ قَبْلَ ذَلِكَ (فَقُلْتُ: مَا فَعَلْتُ) أَيْ مَا وَقَعَ مِنِّي هَذَا الْفِعْلُ، وَهُوَ تَرْكُ رَدِّ السَّلَامِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ شُعُورِهِ سَلَامَهُ (فَقَالَ عُمَرُ: بَلَى وَاللَّهِ لَقَدْ فَعَلْتَ) بِنَاءً عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ (قَالَ) أَيْ عُثْمَانُ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قُلْتُ: وَاللَّهِ مَا شَعَرْتُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَيَضُمُّ، أَيْ مَا عَلِمْتُ، وَلَا فَطِنْتُ (أَنَّكَ مَرَرْتَ) أَيْ بِي كَمَا فِي نُسْخَةٍ (وَلَا سَلَّمْتَ) كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ: مَا شَعَرْتُ أَنَّكَ مَرَرْتَ، وَلَكِنْ جِيءَ بِهِ تَوْكِيدًا أَيْ مَا نَظَرْتُ إِلَيْكَ، وَلَا سَمِعْتُ كَلَامَكَ. كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ إِذْ يُمْكِنُ الشُّعُورُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ النَّظَرِ الشُّعُورُ. (قَالَ أَبُو بَكْرٍ) أَيْ لِعُمَرَ (صَدَقَ عُثْمَانُ) أَيْ فِي اعْتِذَارِهِ بِعَدَمِ شُعُورِهِ، وَقَالَ لِي عَلَى وَجْهِ الِالْتِفَاتِ: (قَدْ شَغَلَكَ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنِ الشُّعُورِ (أَمْرٌ) أَيْ عَظِيمٌ (فَقُلْتُ: أَجَلْ) أَيْ نِعْمَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ (قَالَ: مَا هُوَ؟) أَيْ ذَلِكَ الْأَمْرُ الْعَظِيمُ (قُلْتُ تَوَفَّى اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ) أَيْ قَبَضَ رُوحَهُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ عَنْ نَجَاةِ هَذَا الْأَمْرِ) يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْأَمْرِ: مَا عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ، أَيْ عَمَّا نَتَخَلَّصُ بِهِ مِنَ النَّارِ، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِهَذَا الدِّينِ، وَأَنْ يُرَادَ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ غُرُورِ الشَّيْطَانِ، وَحُبِّ الدُّنْيَا، وَالتَّهَالُكِ فِيهَا، وَالرُّكُونِ إِلَى شَهَوَاتِهَا، وَرُكُوبِ الْمَعَاصِي وَتَبِعَاتِهَا، أَيْ نَسْأَلُهُ عَنْ نَجَاةِ هَذَا الْأَمْرِ الْهَائِلِ، وَلَعَمْرِي كَلِمَةُ التَّقْوَى تُؤَثِّرُ فِي النَّفْسِ الْيَقِظَةَ، وَفِي الْقَلْبِ جَلَاءُ الصَّدَأِ وَالرَّيْنِ، وَفِي السِّرِّ مَحْوُ الْأَثَرِ وَالْعَيْنِ، وَلَا يَعْقِلُ ذَلِكَ إِلَّا السَّائِرُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالْعَارِفُونَ بِهِ، وَمِنْ ثَمَّ أُلْزِمُوهَا، وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا (قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ وَأَجَابَنِي (فَقُمْتُ) أَيْ مِنْ كَمَالِ الْفَرَحِ مُتَوَجِّهًا (إِلَيْهِ) وَمُتَمَثِّلًا بَيْنَ يَدَيْهِ (وَقُلْتُ لَهُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَنْتَ أَحَقُّ بِهَا) أَيْ بِالْمَسْأَلَةِ وَالسَّبْقِ بِهَا، وَالْبَحْثِ عَنْهَا، فَإِنَّكَ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ أَسْبَقُ (قَالَ أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَجَاةُ هَذَا الْأَمْرِ؟ فَقَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ كَمَا فِي نُسْخَةٍ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ قَبِلَ مِنِّي) أَيْ بِطَوْعٍ وَرَغْبَةٍ مِنْ غَيْرِ نِفَاقٍ وَرِيبَةٍ (الْكَلِمَةَ الَّتِي عَرَضْتُ) وَفِي نُسْخَةٍ: عَرَضْتُهَا (عَلَى عَمِّي) أَيْ أَبِي طَالِبٍ (فَرَدَّهَا) وَنَزَلَ فِيهِ: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: ٥٦] (فَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ، وَهِيَ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِالْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ (لَهُ) أَيْ لِمَنْ قَبِلَهَا (نَجَاةُ) وَأَيُّ نَجَاةٍ! فَإِنَّهَا هِدَايَةٌ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute