لِلِاسْتِحْبَابِ، فَإِنَّهُ أَفْضَلُ لِلْخُرُوجِ عَنِ الْخِلَافِ، فَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، مَنْ سَبَقَهُ حَدَثٌ سَمَاوِيٌّ مِنْ بَدَنِهِ مُوجِبٌ لِلْوُضُوءِ فِي الصَّلَاةِ انْصَرَفَ مِنْ فَوْرِهِ وَتَوَضَّأَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِشَيْءٍ غَيْرِ ضَرُورِيٍّ فِي وُضُوئِهِ، وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ عِنْدَنَا إِنْ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ مَا يُنَافِيهَا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلْسٌ أَوْ مَذْيٌ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ، ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ "] ، وَفِي رِوَايَةٍ: " ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ» " وَالِاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ لِلْبُعْدِ عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ، وَقِيلَ: الْبِنَاءُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي أَفْضَلُ إِحْرَازًا لِلْفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ إِلَّا أَنْ يُمْكِنَهُمَا الِاسْتِئْنَافُ بِجَمَاعَةٍ أُخْرَى، ثُمَّ اسْتِخْلَافُ الْإِمَامِ غَيْرَهُ إِذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ جَائِزٌ إِجْمَاعًا، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ وَانْصَرَفَ، ثُمَّ قَالَ: لَمَّا دَخَلْتُ فِي الصَّلَاةِ وَكَبَّرْتُ رَابَنِي شَيْءٌ، فَلَمَسْتُ بِيَدِي فَوَجَدْتُ بِلَّةً؛ اهـ.
قَالَ ابْنُ الْهَمَّامِ: أَمَّا حَدِيثُ الْبِنَاءِ فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ مَرْفُوعًا عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ مُرْسَلٌ، ثُمَّ قَالَ: وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَحْوَهُ مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَابْنِ عُمَرَ، وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ، وَمِنَ التَّابِعِينَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَطَاوُسٍ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَعَطَاءٍ، وَمَكْحُولٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً عَلَى أَنَّ صِحَّةَ رَفْعِ الْحَدِيثِ مُرْسَلًا لَا نِزَاعَ فِيهَا، وَذَلِكَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَأَمَّا حَدِيثُ الِاسْتِخْلَافِ فَقِيلَ فِيهِ إِجْمَاعٌ لِلصَّحَابَةِ، وَحَكَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَرَوَى ابْنُ الْأَثْرَمِ بِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «خَرَجَ عَلَيْنَا عُمَرُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ، فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ أَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ كَانَ عَلَى يَمِينِهِ» . " الْحَدِيثَ، قَالَ: وَلِلْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: إِنِّي لَقَائِمٌ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ عُمَرَ غَدَاةَ أُصِيبَ إِلَّا ابْنُ عَبَّاسٍ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ كَبَّرَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَتَلَنِي أَوْ أَكَلَنِي الْكَلْبُ حِينَ طَعَنَهُ، وَتَنَاوَلَ عُمَرُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَصَلَّى بِهِمْ، قُلْتُ: الْوَاوُ فِي: " وَتَنَاوَلَ " لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ، فَلَا يَرِدُ فِيهِ إِشْكَالٌ، ثُمَّ قَالَ: وَرَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ قَالَ: صَلَّى بِنَا عَلِيٌّ ذَاتَ يَوْمٍ فَرَعَفَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ فَقَدَّمَهُ وَانْصَرَفَ، (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : قَالَ مِيرَكُ: مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ، لَا مِنْ حَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ، وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: لَا أَعْرِفُ لِعَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَا أَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ السُّحَيْمِيِّ، وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ هَذَا رَجُلٌ آخَرُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ) ، أَيْ: نَحْوَهُ وَحَسَّنَهُ لَكِنْ (مَعَ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ) .
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ فَقَالَ: إِذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَأَمَّا خَبَرُ: " «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ أَوْ أَمْذَى فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ» " فَهُوَ مُرْسَلٌ اتِّفَاقًا، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَلِلشَّافِعِيِّ فِي الْقِدِيمِ، وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ فِي جَوَازِ الْبِنَاءِ شُرُوطٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute