الْفَصْلُ الثَّالِثُ
١٠٠٩ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَلَمَّا كَبَّرَ انْصَرَفَ، وَأَوْمَأَ إِلَيْهِمْ أَنْ كَمَا كُنْتُمْ، ثُمَّ خَرَجَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ جَاءَ وَرَأَسُهُ يَقْطُرُ، فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: " إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا، فَنَسِيتُ أَنْ أَغْتَسِلَ» "، (رَوَاهُ أَحْمَدُ) .
١٠٠٩ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ) ، أَيْ: قَاصِدًا إِلَيْهَا) (فَلَمَّا كَبَّرَ) ، أَيْ: أَرَادَ أَنْ يُكَبِّرَ لِلْإِحْرَامِ (انْصَرَفَ) : وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَلَمَّا كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ انْصَرَفَ، أَيْ: خَرَجَ مِنْ صَلَاتِهِ اهـ وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرْنَا كَمَا لَا يَخْفَى (وَأَوْمَأَ) : بِالْهَمْزِ، وَيُبْدَلُ فَيُكْتَبُ بِالْيَاءِ، أَيْ: أَشَارَ (إِلَيْهِمْ أَنْ) ، أَيْ: وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ الْمُؤَلِّفِ أَيْ (كَمَا كُنْتُمْ) : وَفِي نُسْخَةٍ: كَمَا أَنْتُمْ أَيْ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ حَالِ الِاجْتِمَاعِ وَعَدَمِ التَّفَرُّقِ لَا حَالِ الْقِيَامِ كَمَا تُوُهِّمَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ كُونُوا كَمَا كُنْتُمْ، " وَأَنْ " مُفَسِّرَةٌ لِمَا فِي الْإِيمَاءِ مِنْ مَعْنَى الْقَوْلِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً وَالْجَارَّةُ مَحْذُوفَةٌ، أَيْ: أَشَارَ إِلَيْهِمْ بِالْكَوْنِ عَلَى حَالِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ، أَيْ: كُونُوا بَعْدَ ذَهَابِي فِي صَلَاتِكُمْ لَا تَخْرُجُونَ مِنْهَا، وَلَا تَتَمَنَّوْنَ لِأَنْفُسِكُمْ كَمَا كُنْتُمْ كَذَلِكَ قَبْلَ ذَهَابِي اهـ، وَهُوَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْبُعْدِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَمِنَ الْعَجِيبِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِينَ لَا تَبْطُلُ بِتَبَيُّنِ بُطْلَانِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، ثُمَّ إِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إِنَمَا نَسِيَ لِيَسُنَّ فَانْدَفَعَ مَا قَدْ يُقَالُ لِمَ نَسِيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَوْنَهُ جُنُبًا؟ وَبَعْضُ الْعَارِفِينَ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى جَنَابَةِ غَيْرِهِ، قَدْ حَكَى الْيَافِعِيُّ أَنَّ إِمَامَ الْحَرَمَيْنِ أَبَا الْمَعَالِيَ بْنَ الْإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ جَلَسَ يَوْمًا يَدْرِسُ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، فَمَرَّ عَلَيْهِ بَعْضُ شُيُوخِ الصُّوفِيَّةِ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ إِلَى دَعْوَةٍ فَقَالَ الْإِمَامُ فِي نَفْسِهِ: مَا شَغَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا الْأَكْلُ وَالرَّقْصُ، فَلَمَّا رَجَعَ الشَّيْخُ مِنَ الدَّعْوَةِ مَرَّ عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا فَقِيهُ مَا تَقُولُ فِيمَنْ يُصَلِّي الصُّبْحَ وَهُوَ جُنُبٌ، وَيَقْعُدُ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَدْرِسُ الْعُلُومَ، وَيَغْتَابُ النَّاسَ؟ فَتَذَكَّرَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ غُسْلٌ، ثُمَّ حَسُنَ اعْتِقَادُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الصُّوفِيَّةِ اهـ.
وَلَكِنْ بَيْنَهُمَا بَوْنٌ بَيِّنٌ كَمَا لَا يَخْفَى، ثُمَّ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ خَرَجَ قَبْلَ إِحْرَامِهِمْ، وَلَكِنَّهُ بَعِيدٌ بَلْ مَدْفُوعٌ بِمَا جَاءَ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ إِحْرَامِهِمْ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْمَجِيءَ الَّذِي ذَكَرَهُ مَجْهُولٌ، وَقَدْ صَحَّ فِي الْبُخَارِيِّ: حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ وَانْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ انْصَرَفَ وَقَالَ: " عَلَى مَكَانِكُمْ " اهـ.
وَلَكِنَّ " حُبَّكَ الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ "، وَيَجْعَلُ الْمَعْرُوفَ مُنْكَرًا وَالْمُنْكَرَ مَعْرُوفًا، هَدَانَا اللَّهُ إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ، حَتَّى نَحْمِلَ أَحْوَالَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَهْمَا أَمْكَنَ عَلَى الْأَمْرِ الْجَمِيلِ، (ثُمَّ خَرَجَ) ، أَيْ: مِنَ الْمَسْجِدِ (فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ جَاءَ وَرَأَسُهُ يَقْطُرُ) ، أَيْ: شَعْرُ رَأْسِهِ يَقْطُرُ مَاءً يَعْنِي: لَمْ يُنَشِّفْ إِمَّا لِلْعَجَلَةِ وَإِمَّا لِأَنَّهُ أَفْضَلُ، أَوْ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَى التَّنَشُّفِ لِاعْتِدَالِ الْهَوَاءِ، (فَصَلَّى بِهِمْ فَلَمَّا صَلَّى) : أَيْ: فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ (قَالَ) : مُشِيرًا إِلَى السَّبَبِ فِيمَا وَقَعَ لَهُ (" إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا فَنَسِيتُ ") : بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُخَفَّفَةِ، كَذَا فِي النُّسَخِ، وَلَعَلَّ الْأُولَى بِضَمِّ النُّونِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ (" أَنْ أَغْتَسِلَ) ، أَيْ: الِاغْتِسَالَ، وَإِنَّمَا نَسِيَ لِيَسُنَّ وَلِئَلَّا يَسْتَحْيِيَ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَّةِ إِذَا وَقَعَ لَهُ مِثْلُ هَذَا، (رَوَاهُ أَحْمَدُ) ، أَيْ: مُتَّصِلًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute