١٠١٢ - عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ثُمَّ قَالَ أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ ثَلَاثًا وَبَسَطَ يَدَهُ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَرَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَكَ، قَالَ: إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي فَقُلْتُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قُلْتُ أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ التَّامَّةِ فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَرَدْتُ أَخْذَهُ، وَاللَّهِ لَوْلَا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ لَأَصْبَحَ مُوثَقًا يَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
١٠١٢ - (وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ: " أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ") : إِظْهَارًا لِغَايَةِ الْخَوْفِ وَالِافْتِقَارِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالِاحْتِيَاجِ إِلَى دَوَامِ فَضْلِهِ وَعِصْمَتِهِ، (ثُمَّ قَالَ: " أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ ") ، أَيْ: إِيَّاكَ، وَالْمَعْنَى: أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَلْعَنَكَ بِلَعْنَتِهِ الْمَخْصُوصَةِ لَكَ الَّتِي لَا تُوَازِيهَا لَعْنَةٌ، أَوْ أُبْعِدُكَ عَنِّي بِإِبْعَادِ اللَّهِ لَكَ، فَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَوْ لِلْآلَةِ أَوْ لِلسَّبَبِيَّةِ، (ثَلَاثًا) : قَيْدٌ لَهُمَا لِمَا سَيَأْتِي، قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ أَصْحَابُنَا: تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِالدُّعَاءِ لِغَيْرِهِ بِصِيغَةِ الْخِطَابِ، يُحْمَلُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ.
قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فَإِنْ قُلْتَ: تَحْرِيمُهُ كَانَ بِمَكَّةَ وَهَذَا بِالْمَدِينَةِ كَمَا سَيَأْتِي، قُلْنَا: أَرَادَ بِالْمَدِينَةِ الْمَفْهُومَ اللُّغَوِيَّ لَا مَدِينَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، أَوْ يُقَالُ: دَلِيلُ الْجَوَازِ عَمَلُ النَّبِيِّ، وَدَلِيلُ الْمَنْعِ قَوْلُهُ: وَهُوَ الْحَدِيثُ السَّابِقُ مِنْ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، وَالدَّلِيلُ الْقَوْلِيُّ أَقْوَى مِنَ الْعَمَلِيِّ عِنْدَ التَّعَارُضِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ اهـ.
وَقِيلَ: عُمُومُ عَدَمِ جَوَازِ الْخِطَابِ لِلْغَيْرِ مَخْصُوصٌ بِإِبْلِيسَ عِنْدَ تَعَرُّضِهِ لِلْمُصَلِّي بِالْوَسْوَسَةِ، لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ وَيُحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَأَمَّا غَيْرُ الشَّيْطَانِ فَلَيْسَ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ لِخِطَابِهِ، قُلْتُ: هَذَا بِمَا يَتَمَشَّى عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجَوِّزُ الْكَلَامَ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ، وَقِيلَ: هَذَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (وَبَسَطَ) ، أَيْ: مَدَّ (يَدَهُ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا) ، أَيْ: يَأْخُذُهُ مِنْ بَعِيدٍ (فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ شَيْئًا) : مِنَ التَّعَوُّذِ وَاللَّعْنِ بِالْخِطَابِ (لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَرَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَكَ) ، أَيْ: كَأَنَّكَ تَتَنَاوَلُ شَيْئًا قَالَ: " إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ ") : أَكْبَرُ الْأَعْدَاءِ (" جَاءَ ") : لِأَفْضَلِ الْأَحِبَّاءِ (" بِشِهَابٍ ") ، أَيْ: شُعْلَةٍ (" مِنْ نَارٍ يَجْعَلُهُ فِي وَجْهِي، فَقُلْتُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قُلْتُ: أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ التَّامَّةِ) ، أَيْ: عَلَيْكَ أَبَدَ الْآبِدِينَ الْمَخْصُوصَةُ بِكَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْمُعَذَّبِينَ، (" فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ") : الظَّاهِرُ أَنَّهُ ظَرْفٌ لِقُلْتُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِـ (لَمْ يَسْتَأْخِرْ) أَيْ: فَلَمْ يَتَأَخَّرْ فِي ثَلَاثِ مَرَّاتٍ مِنَ التَّعَوُّذَاتِ وَاللَّعَنَاتِ: (" ثُمَّ أَرَدْتُ أَخْذَهُ ") : عَلَى صِيغَةِ الْمَصْدَرِ، وَفِي نُسْخَةٍ عَلَى صِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِزِيَادَةِ: أَنْ (" وَاللَّهِ لَوْلَا دَعْوَةُ أَخِينَا ") ، أَيْ: مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ (" سُلَيْمَانَ ") : بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ لِأَخِينَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِتَقْدِيرِ أَعْنِي (" لَأَصْبَحَ ") ، أَيْ: لَدَخَلَ إِبْلِيسُ فِي الصَّبَاحِ (" مُوثَقًا ") : حَالٌ، أَوْ لَصَارَ مُوثَقًا، أَيْ: مَرْبُوطًا بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ، (يَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ") : وَفِيهِ دَلِيلٌ قَوِيٌّ عَلَى أَنَّ إِبْلِيسَ لَيْسَ مِنَ الْجِنِّ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَضِيَّةَ مُتَعَدِّدَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute