قُلْتُ: هَذَا التَّقْدِيرُ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيرٍ، إِذْ الِاعْتِرَاضُ أَنَّ قَوْلَهُ: بَعْدَ مَا سَلَّمَ، لَيْسَ إِلَّا مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ، ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا لَفْظًا وَلَا مَعْنًى، وَإِلَّا فَأَيُّ لَفْظٍ يَكُونُ لِمُسْلِمٍ يُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنَى، وَيَبْعُدُ غَايَةَ الْبُعْدِ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ مُسْلِمٍ بَعْدَ السَّلَامِ مَثَلًا، وَيَتَوَجَّهُ الِاعْتِرَاضُ بِجَعْلِهِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: إِنَّ الِاتِّحَادَ فِي اللَّفْظِ لَيْسَ عِبَارَةً عَنْ أَنْ لَا تَخْتَلِفَ الْعِبَارَةُ، بَلْ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ اللَّفْظَانِ فِي الصَّوْغِ لِحُكْمٍ وَاحِدٍ، وَالِاتِّحَادُ فِي الْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَسُوقًا بِمَعْنًى، وَيَلْزَمُ مَا سَبَقَ لَهُ أَحَدُهُمَا مِنَ الْآخِرَةِ، فَإِنَّ الْمُحَدِّثِينَ فَرَّقُوا بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالتَّابِعِ، وَذَكَرُوا أَنَّ الشَّاهِدَ: حَدِيثٌ بِمَعْنَى حَدِيثٍ، وَالتَّابِعَ: مَا يَكُونُ بِلَفْظِهِ، وَذَكَرُوا فِي مِثَالِ الْمُتَابَعَةِ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «أَلَا نَزَعْتُمْ جِلْدَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ» " وَجَعَلُوهُ مُتَابِعًا لِقَوْلِهِ: " «لَوْ أَخَذُوا إِهَابَهَا فَدَبَغُوهُ فَاسْتَمْتَعُوا بِهِ» " وَذَكَرُوا شَاهِدًا لَهُ قَوْلَهُ: " «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» " فَأَحْسِنِ التَّأَمُّلَ؛ لَوْ بَلَغْتَ حَقِيقَةَ التَّحْقِيقِ بِمَعُونَةِ التَّوْفِيقِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute