١٠٣١ - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ، فَرَأَوْا أَنَّهُ قَرَأَ (تَنْزِيلَ السَّجْدَةَ) » ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
١٠٣١ - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ) ، أَيْ: سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ (ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: يَعْنِي لَمَّا قَامَ مِنَ السُّجُودِ إِلَى الْقِيَامِ رَكَعَ وَلَمْ يَقْرَأْ بَعْدَ السَّجْدَةِ شَيْئًا مِنْ بَاقِي السُّورَةِ، وَإِنْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ جَائِزَةً، قُلْتُ: بَلِ الْقِرَاءَةُ بَعْدَهَا أَفْضَلُ، وَلَعَلَّهَا كَانَتِ الصَّلَاةُ تَطُولُ أَوْ تَرَكَهَا لِبَيَانِ الْجَوَازِ، مَعَ أَنَّهُ لَا نَصَّ فِي عَدَمِ قِرَاءَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - آخِرَ السُّورَةِ، ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَكْتَفِ بِالرُّكُوعِ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا أَيْضًا، كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا اخْتِيَارًا لِلْعَمَلِ بِالْأَفْضَلِ، قَالَ ابْنُ الْهَمَّامِ: ثُمَّ النَّصُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إِنَّ السُّجُودَ بِهَا أَفْضَلُ هَكَذَا مُطْلَقًا فِي الْبَدَائِعِ، وَوَجْهَهُ أَنَّهُ إِذَا سَجَدَ ثُمَّ قَامَ وَرَكَعَ حَصَلَ قُرْبَتَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا رَكَعَ، وَلِأَنَّهُ بِالسُّجُودِ مُؤَدٍّ لِلْوَاجِبِ بِصُورَتِهِ وَمَعْنَاهُ، وَأَمَّا الرُّكُوعُ فَمَعْنَاهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَفْضَلُ، ثُمَّ قَالُوا: إِنَّ تَأَدِّيَهَا فِي ضِمْنِ الرُّكُوعِ هُوَ الْقِيَاسُ، وَالِاسْتِحْسَانُ عَدَمُهُ. وَجْهُ الْقِيَاسِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ أَنَّ مَعْنَى التَّعْظِيمِ فِيهِمَا وَاحِدٌ، فَكَانَا فِي حُصُولِ التَّعْظِيمِ بِهِمَا جِنْسًا وَاحِدًا، وَالْحَاجَةُ إِلَى تَعْظِيمِ اللَّهِ إِمَّا اقْتِدَاءٌ بِمَنْ عَظُمَ، وَإِمَّا مُخَالَفَةٌ لِمَنِ اسْتَكْبَرَ، فَكَانَ الظَّاهِرُ هُوَ الْجَوَازُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ التَّعْظِيمُ بِجِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ السُّجُودُ، ثُمَّ أَخَذُوا بِالْقِيَاسِ لِقُوَّةِ دَلِيلِهِ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَوْا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا أَجَازَا أَنْ يَرْكَعَ عَنِ السُّجُودِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِمَا خِلَافُهُ، (فَرَأَوْا) ، أَيْ: عَلِمُوا (أَنَّهُ قَرَأَ تَنْزِيلَ السَّجْدَةَ) : بِنَصْبِ (تَنْزِيلَ) عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، وَبِرَفْعِهِ عَلَى الْحِكَايَةِ، وَ (السَّجْدَةَ) مَجْرُورَةٌ، وَيَجُوزُ نَصْبُهَا بِتَقْدِيرِ (أَعْنِي) وَرَفْعُهَا بِتَقْدِيرِ (هُوَ) ، وَالْمَعْنَى: سَمِعُوا بَعْضَ قِرَاءَتِهِ ; لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِبَعْضِ مَا يَقْرَأُ بِهِ فِي الصَّلَوَاتِ السِّرِّيَّةِ، لِيَعْلَمُوا سُنِّيَّةَ قِرَاءَةِ تِلْكَ السُّورَةِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ السَّامِعِينَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ يَلُونَهُ، (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَزَادَ: فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنَ الظُّهْرِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَأَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَاعْتُرِضَ بِمَا لَا يُجْدِي، وَمِنْ ثَمَّ اعْتَرَضَ الْقُرْطُبِيُّ، مِنْ أَكَابِرِ الْمَالِكِيَّةِ، بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْعَ مَالِكٍ لِسُجُودِ التِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ، مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ ظَاهِرٌ فِي نَدْبِهِ، فَضْلًا عَمَّا صَرَّحَ بِهِ مِنْ جَوَازِهِ إِذْ لَمْ يَرِدْ مَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ، حَتَّى نَحْمِلَهُ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute