١٠٣٦ - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! رَأَيْتُنِي اللَّيْلَةَ وَأَنَا نَائِمٌ كَأَنِّي أُصَلِّي خَلْفَ شَجَرَةٍ، فَسَجَدْتُ، فَسَجَدَتِ الشَّجَرَةُ لِسُجُودِي، فَسَمِعْتُهَا تَقُولُ: اللَّهُمَّ اكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَكَ أَجْرًا، وَضَعْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا، وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا، وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَرَأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجْدَةً ثُمَّ سَجَدَ، فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ مِثْلَ مَا أَخْبَرَهُ الرَّجُلُ عَنْ قَوْلِ الشَّجَرَةِ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ: وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدَ» ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
ــ
١٠٣٦ - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ) : قَالَ مِيرَكُ: هُوَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ مِنْ رِوَايَتِهِ، وَقَدْ أَبْعَدَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، قَالَهُ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمَصَابِيحِ، (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُنِي اللَّيْلَةَ) : أَيْ: أَبْصَرْتُ ذَاتِي الْبَارِحَةَ (وَأَنَا نَائِمٌ) : حَالٌ فَاعِلٌ أَوْ مَفْعُولٌ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: رَأَى هُنَا قَلْبِيَّةٌ، وَمِنْ ثَمَّ اتَّحَدَ فَاعِلُهَا وَمَفْعُولُهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَوَاصِّ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ الْعِلْمَ لَا يُنَاسِبُ الرُّؤْيَا، وَلِذَا عَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: (كَأَنِّي أُصَلِّي خَلْفَ شَجَرَةٍ، فَسَجَدْتُ) : يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ السَّجْدَةُ صَلَاتِيَّةً، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا سَجْدَةُ تِلَاوَةٍ، وَأَنَّ الْآيَةَ آيَةُ (ص) ، (فَسَجَدَتِ الشَّجَرَةُ لِسُجُودِي، فَسَمِعْتُهَا) : أَيِ: الشَّجَرَةَ (تَقُولُ: اللَّهُمَّ اكْتُبْ لِي) : أَيِ: أَثْبِتْ لِأَجْلِي (بِهَا) : أَيْ: بِسَبَبِ هَذِهِ السَّجْدَةِ أَوْ بِمُقَابَلَتِهَا، وَالضَّمِيرُ لِلسَّجْدَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ سَجَدْتُ (عِنْدَكَ) : ظَرْفٌ لِـ " اكْتُبْ " أَيْ: حَيْثُ لَا يَتَبَدَّلُ، أَوِ الْمُرَادُ مِنْ فَضْلِكَ (أَجْرًا) : أَيْ: عَظِيمًا (وَضَعْ) : أَيْ: حُطَّ كَمَا فِي نُسْخَةٍ (عَنِّي بِهَا وِزْرًا) ، أَيْ: ذَنْبًا ثَقِيلًا جَسِيمًا (وَاجْعَلْهَا لِي) : أَيْ: بِاعْتِبَارِ ثَوَابِهَا (عِنْدَكَ ذُخْرًا) : أَيْ: كَنْزًا ضَخِيمًا، قِيلَ: ذُخْرًا بِمَعْنَى: أَجْرًا، وَكُرِّرَ لِأَنَّ مَقَامَ الدُّعَاءِ يُنَاسِبُ الْإِطْنَابَ، وَقِيلَ: الْأَوَّلُ طَلَبُ كِتَابَةِ الْأَجْرِ، وَهَذَا طَلَبُ بَقَائِهِ سَالِمًا مِنْ مُحْبِطٍ أَوْ مُبْطِلٍ، وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ، (وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدَ) : عَبْدًا كَرِيمًا، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ سَجْدَةَ (ص) لِلتِّلَاوَةِ، وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: هُوَ مُسَلَّمٌ لَوْ لَمْ يُعَارِضْهُ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا سَجْدَةُ شُكْرٍ مَدْفُوعٍ بِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَ كَوْنِهَا سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ وَسَجْدَةَ شُكْرٍ؛ لِمَا قَرَّرْنَا فِيمَا سَبَقَ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: يَجُوزُ كَوْنُ الْقَائِلِ مَلَكًا، وَيَجُوزُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ فِيهَا نُطْقًا، كَمَا فِي شَجَرَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قُلْتُ: حَالَةُ الرُّؤْيَا خَيَالِيَّةٌ مُحْتَاجَةٌ إِلَى التَّعْبِيرِ، وَلَيْسَتْ مُحَقَّقَةً لِتَحْتَاجَ إِلَى التَّأْوِيلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute