فَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ، قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، مَعْنَى أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا، الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: الْمُرَادُ مِنْهُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ ; لِأَنَّ الدَّفْنَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ، وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى كَرَاهَةِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَرَى جَوَازَهَا أَيَّ سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ اهـ.
وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ، أَنَّهُ يَكْرَهُ الدَّفْنَ فِي أَوْقَاتِ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ مَا لَمْ يَتَحَرَّهُ فِيهَا وَإِلَّا حَرُمَ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةَ يَحْرُمُ فِيهَا الْفَرَائِضُ وَالنَّوَافِلُ، وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ، وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ إِلَّا إِذَا حَضَرَتِ الْجِنَازَةَ أَوْ تُلِيَتْ آيَةُ السَّجْدَةِ حِينَئِذٍ، فَإِنَّهُمَا لَا يُكْرَهَانِ لَكِنَّ الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُمَا إِلَى خُرُوجِ الْأَوْقَاتِ، (حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً) : أَيْ: طَالِعَةً ظَاهِرَةً وَهُوَ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ أَوْ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، (حَتَّى تَرْتَفِعَ) : بَدَلٌ وَبَيَانٌ، وَالْمُرَادُ: تَرْتَفِعُ كَرُمْحٍ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ، لِمَا سَيَأْتِي، كَذَا قِيلَ، وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى نُسْخَةِ: حِينَ تَرْتَفِعُ، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَايَةٌ (وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ) : وَهِيَ شِدَّةُ الْحَرِّ نِصْفَ النَّهَارِ، فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: قِيَامُ الشَّمْسِ: وَقْتُ الزَّوَالِ؛ مِنْ " قَامَ " إِذَا وَقَفَ، نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ، وَقِيلَ: حِينَ تَسْتَوِي الشَّمْسُ وَتَصِلُ إِلَى خَطِّ نِصْفِ النَّهَارِ، مِنْ " قَامَ " إِذَا اعْتَدَلَ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَقْتُ الظُّهْرِ تَكُونُ الشَّمْسُ وَاقِفَةً عَنِ السَّيْرِ، وَتَثْبُتُ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ لَحْظَةً ثُمَّ تَسِيرُ، وَقِيلَ: يُظَنُّ أَنَّهَا وَاقِفَةٌ، قُلْتُ: هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: الشَّمْسُ إِذَا بَلَغَتْ وَسَطَ السَّمَاءِ أَبْطَأَتْ حَرَكَةُ الظِّلِّ إِلَى أَنْ تَزُولَ، فَيُتَخَيَّلُ لِلنَّاظِرِ الْمُتَأَمِّلِ أَنَّهَا وَقَفَتْ وَهِيَ سَائِرَةٌ، قُلْتُ: قَالَ تَعَالَى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل: ٨٨] ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ: حِينَ لَا يَبْقَى لِلْقَائِمِ فِي الظَّهِيرَةِ ظِلٌّ فِي الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الظَّهِيرَةُ: هِيَ نِصْفُ النَّهَارِ، وَقَائِمُهَا إِمَّا الظِّلُّ، وَقِيَامُهُ وُقُوفُهُ؛ مِنْ " قَامَتْ بِهِ دَابَّتُهُ ": وَقَفَتْ، وَالْمُرَادُ بِوُقُوفِهِ بُطْءُ حَرَكَتِهِ النَّاشِئُ عَنْ بُطْءِ حَرَكَةِ الشَّمْسِ حِينَئِذٍ بِاعْتِبَارِ مَا يَظْهَرُ لِلنَّاظِرِ بِبَادِئِ الرَّأْيِ، وَإِلَّا فَهِيَ سَائِرَةٌ عَلَى حَالِهَا، وَإِمَّا لِلْقَائِمِ فِيهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَمِيلُ لَهُ ظِلٌّ إِلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ، وَلَا إِلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ كِنَايَةٌ عَنْ وَقْتِ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ، (حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ) ، أَيْ: مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَتَزُولُ عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ إِلَى الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ، وَمَيْلُهَا هَذَا: هُوَ الزَّوَالُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَوَقْتُ الِاسْتِوَاءِ الْمَذْكُورُ وَإِنْ كَانَ وَقْتًا ضَيِّقًا لَا يَسَعُ صَلَاةً إِلَّا أَنَّهُ يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ، فَيُحَرَّمُ تَعَمُّدُ التَّحْرِيمِ فِيهِ، (وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ) : أَيْ: تُضَيَّفُ بِمَعْنَى تَمِيلُ (لِلْغُرُوبِ) : وَتَشْرَعُ فِيهِ (حَتَّى تَغْرُبَ) : وَأَصْلُ الضَّيْفِ: الْمَيْلُ، سُمِّيَ الضَّيْفُ بِهِ لِمَيْلِهِ إِلَى مَنْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَالْحَدِيثُ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي تَخْصِيصِ الْفَرَائِضِ اهـ.
وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي، (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ مِيرَكُ رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute