للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٠٤٣ - وَعَنْ كُرَيْبٍ «أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أَرْسَلُوهُ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالُوا اقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامُ، وَسَلْهَا عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، قَالَ فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَبَلَّغْتُهَا مَا أَرْسَلُونِي، فَقَالَتْ سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ، فَرَدُّونِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْهُمَا، ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا، ثُمَّ دَخَلَ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الْجَارِيَةَ، فَقُلْتُ: قُولِي لَهُ: تَقُولُ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ [الرَّكْعَتَيْنِ] وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا؟ قَالَ: " يَا ابْنَةَ أَبِي أُمَيَّةَ سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَهُمَا هَاتَانِ» "، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

١٠٤٣ - (وَعَنْ كُرَيْبٍ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ كُرَيْبُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ) : يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ، فَإِنَّهُ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (وَالْمِسْوَرَ) : بِكَسْرِ الْمِيمِ (" بْنِ مَخْرَمَةَ ") : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ بَيْنَهُمَا خَاءٌ مُعْجَمَةٌ سَاكِنَةٌ (وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ) ، أَيِ: ابْنَ عَوْفٍ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ، (أَرْسَلُوهُ) ، أَيْ: كُرَيْبًا (إِلَى عَائِشَةَ فَقَالُوا: اقْرَأْ) : وَفِي نُسْخَةٍ: أَقْرِئْ: مِنَ الْإِقْرَاءِ (عَلَيْهَا السَّلَامَ) : فِي الْقَامُوسِ، قَرَأَ عَلَيْهِ السَّلَامَ: أَبْلَغَهُ كَأَقْرَأَهُ، أَوْ لَا يُقَالُ أَقْرَأَ إِلَّا إِذَا كَانَ السَّلَامُ مَكْتُوبًا (وَسَلْهَا عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ) ، أَيِ: اللَّتَيْنِ كَانَ يُصَلِّيهِمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَقَدْ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَهَا، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: يَعْنِي: الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُصَلِّيهِمَا، وَيَنْهَى عَنْهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ مَا الَّذِي اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ عَلَيْهِمَا فِيهِ؟ (قَالَ) ، أَيْ: كُرَيْبٌ (فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَبَلَّغْتُهَا مَا أَرْسَلُونِي) ، أَيْ: بِتَبْلِيغِهِ مِنَ السَّلَامِ وَالْكَلَامِ إِلَيْهَا، قَالَتْ: (سَلْ أُمُّ سَلَمَةَ) ، أَيْ: لِأَنَّهَا صَاحِبَةُ الْوَاقِعَةِ فَهِيَ أَعْلَمُ بِهَا مِنْ غَيْرِهَا، وَفِي هَذَا عَظِيمُ النُّصْحِ وَالْإِنْصَافِ وَالتَّوَاضُعِ مِنْ عَائِشَةَ، لِأَنَّهَا مَعَ كَوْنِهَا أَفْضَلَ وَأَعْلَمَ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَكَلَتِ الْأَمْرَ إِلَيْهَا، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهَا مِنَ الْعِلْمِ مَا لَيْسَ عِنْدَ عَائِشَةَ عَلَى أَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ عَنِ الْإِفْتَاءِ إِلَّا إِذَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ، (فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ) : وَهَذَا مِنْ حُسْنِ أَدَبِهِ (فَرَدُّونِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ) ، أَيْ: عَلَى الْمِنْوَالِ السَّابِقِ فَجِئْتُ إِلَيْهَا فَسَأَلْتُهَا؟ (فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْهُمَا) ، أَيْ: عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، تَعْنِي فِي ضِمْنِ نَهْيِهِ عَنِ الصَّلَاةِ النَّافِلَةِ، أَوْ وَقَعَ النَّهْيُ بِالْخُصُوصِ عَنْهُمَا، (ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا ثُمَّ دَخَلَ) ، أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَيْتَ أَوْ بَيْتَهُ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا رَأَتْهُ صَلَّاهُمَا فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ، أَوْ فِي صُفَّةِ الدَّارِ ثُمَّ دَخَلْتُ الْبَيْتَ، (فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الْجَارِيَةَ، فَقُلْتُ) ، أَيْ: لَهَا (قُولِي لَهُ: تَقُولُ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ) ، أَيِ: الرَّكْعَتَيْنِ كَمَا فِي نُسْخَةٍ، (وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا) ، أَيْ: فَمَا السِّرُّ فِيهِمَا؟ (قَالَ) : أَيْ لِلْجَارِيَةِ بِأَنْ تَقُولَ لَهَا فِي جَوَابِهَا أَوْ مُخَاطِبًا لَهَا: (" يَا ابْنَةَ أَبِي أُمَيَّةَ سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ ") : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فِيهِ أَنَّ تَعْلِيمَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّوَافِلِ حَتَّى رَوَاتِبِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ الْأَشْرَفُ: فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ النَّوَافِلَ الْمُؤَقَّتَةَ تُقْضَى كَمَا تُقْضَى الْفَرَائِضُ، وَعَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ لَا تُكْرَهُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ، (" فَهُمَا هَاتَانِ ") ، أَيِ: الرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ صَلَّيْتُهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ هُمَا رَكْعَتَا الظُّهْرِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَضَاءَ السُّنَّةِ سُنَّةٌ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ، قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ.

وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ، أَنَّ هَذَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعُمُومِ النَّهْيِ لِلْغَيْرِ، وَلِأَنَّهُ وَرَدَ فِي أَحَادِيثَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهِمَا دَائِمًا وَقَدْ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ بِسَنَدِهِ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ وَزَادَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَنَقْضِيهَا إِذَا فَاتَتْنَا؟ قَالَ: " لَا "، اهـ، فَمَعْنَى الْحَدِيثِ كَمَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ، أَيْ: وَقَدْ عَلِمْتِ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِي أَنِّي إِذَا عَمِلْتُ عَمَلًا دَاوَمْتُ عَلَيْهِ، فَمِنْ ثَمَّ فَعَلْتُهُمَا وَنَهَيْتُ غَيْرِي عَنْهُمَا اهـ، لَكِنْ خَالَفَ كَلَامَهُ حَيْثُ قَالَ: وَمِنْ هَذَا أَخَذَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ ذَاتَ السَّبَبِ لَا تُكْرَهُ فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ حَيْثُ لَا تَحَرِّيَ اهـ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ، فَلَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَالِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>