للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

١٠٧٢ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَّا مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ، أَوْ مَرِيضٌ ; إِنْ كَانَ الْمَرِيضُ لَيَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ. حَتَّى يَأْتِيَ الصَّلَاةَ وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَنَا سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى غَدًا مُسْلِمًا ; فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ ; إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَرَفَعَهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

١٠٧٢ - (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا) أَيْ: مَعْشَرَ الصَّحَابَةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ اتِّحَادَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ إِنَّمَا يَسُوغُ فِي أَفْعَالِ الْقُلُوبِ، وَأَنَّهَا مِنْ دَاخِلِ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ، وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ مَحْذُوفٌ هَاهُنَا وَسَدَّ قَوْلُهُ: (وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الصَّلَاةِ) أَيْ: بِالْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَوْ لِوَصْفِ الدَّوَامِ، وَهُوَ حَالٌّ مَسَدَّهُ، وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَلَكِنْ فِي كَوْنِ اتِّحَادِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ هُنَا بَحْثٌ ; إِذِ الْمُرَادُ بِالْفَاعِلِ الْمُتَكَلِّمُ وَحْدَهُ، وَبِالْمَفْعُولِ هُوَ وَغَيْرُهُ. (إِلَّا مُنَافِقٌ) : قَالَ الشَّمَنِيُّ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُنَافِقِ هَاهُنَا مَنْ يُبْطِنُ الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِسْلَامَ، وَإِلَّا لَكَانَتِ الْجَمَاعَةُ فَرِيضَةً ; لِأَنَّ مَنْ يُبْطِنُ الْكُفْرَ كَافِرٌ، وَلَكَانَ آخِرُ الْكَلَامِ مُنَاقِضًا لِأَوَّلِهِ اهـ.

وَفِيهِ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ النِّفَاقَ سَبَبُ التَّخَلُّفِ لَا عَكْسُهُ، وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ لَا فَرِيضَةٌ لِلدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ، وَأَنَّ الْمُنَاقَضَةَ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ. (قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إِنْ قُلْتَ: كَيْفَ مَعَ عِلْمِ نِفَاقِهِ يُقِرُّ عَلَيْهِ؟ قُلْتُ: لِمَصْلَحَةِ أَنْ لَا يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ عَلَى أَنَّ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَرُهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَعْلَمُونَ النِّفَاقَ فِي أَحَدٍ بِعَيْنِهِ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَظُنُّونَهُ، فَالْعِلْمُ بِمَعْنَى الظَّنِّ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: يَعْنِي أَنَّ وَصْفَ النِّفَاقِ يَتَسَبَّبُ عَنِ التَّخَلُّفِ لَا إِخْبَارِ أَنَّ الْوَاقِعَ أَنَّ التَّخَلُّفُ لَا يَقَعُ إِلَّا مِنْ مُنَافِقٍ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَتَخَلَّفُ كَسَلًا مَعَ صِحَّةِ الْإِسْلَامِ، وَيَقِينِ التَّوْحِيدِ، وَعَدَمِ النِّفَاقِ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ إِنَّمَا يُفِيدُ أَنَّ الْوَاقِعَ إِذْ ذَاكَ أَنْ لَا يَقَعَ التَّخَلُّفُ إِلَّا مِنْ مُنَافِقٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى صِحَّةِ مَا سَبَقَ تَأْوِيلُهُ فِي الَّذِينَ هَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحْرِيقِ بُيُوتِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا مُنَافِقِينَ. (أَوْ مَرِيضٌ) أَيْ: مَرِيضٌ كَامِلٌ فِي مَرَضِهِ (إِنْ كَانَ) : إِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ (الْمَرِيضُ) أَيْ: خَفِيفُ الْمَرَضِ أَوْ قَوِيُّهُ، لَكِنْ لِحِرْصِهِ عَلَى تَحْصِيلِ الثَّوَابِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (لَيَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ) أَيْ: يَتَوَكَّأُ عَلَيْهِمَا لِشِدَّةِ مَا بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>