للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٢٤] بَابُ تَسْوِيَةِ الصَّفِّ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

١٠٨٥ - عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ، حَتَّى رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ، ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ حَتَّى كَادَ أَنْ يُكَبِّرَ، فَرَأَى رَجُلًا بَادِيًا صَدْرُهُ مِنَ الصَّفِّ، فَقَالَ: " عِبَادَ اللَّهِ! لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

[٢٤] بَابُ تَسْوِيَةِ الصَّفِّ

أَيْ فِي الصَّلَاةِ، وَفِي نُسْخَةٍ: الصُّفُوفِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ الْجِنْسُ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: ٤] .

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

١٠٨٥ - (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ) : أَسْلَمَ صَغِيرًا، وَلِأَبَوَيْهِ صُحْبَةٌ، مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهُ ثَمَانِ سِنِينَ وَسَبْعَةُ أَشْهُرٍ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ. (قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَوِّي صُفُوفَنَا) أَيْ: بِيَدِهِ أَوْ بِأَمْرِهِ (حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا) أَيْ: بِالصُّفُوفِ أَوْ بِالتَّسْوِيَةِ (الْقِدَاحَ) : جَمْعُ الْقِدْحِ بِكَسْرِ الْقَافِ، وَهُوَ السَّهْمُ قَبْلَ أَنْ يُرَاشَ وَيُرَكَّبَ نَصْلُهُ، وَضُرِبَ الْمَثَلُ لَهُ لِلْمُتَسَاوِيَيْنِ أَبْلَغَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْهُ ; لِأَنَّ الْقِدْحَ لَا يَصْلُحُ لِمَا يُرَادُ مِنْهُ إِلَّا بَعْدَ الِانْتِهَاءِ فِي الِاسْتِوَاءِ، وَإِنَّمَا جُمِعَ مَعَ الْغُنْيَةِ عَنْهُ بِالْمُفْرَدِ لِمَكَانِ الصُّفُوفِ، أَيْ: يُسَوِّي كُلَّ صَفٍّ عَلَى حِدَةٍ كَمَا يُسَوِّي الصَّانِعُ كُلَّ قِدْحٍ عَلَى حِدَتِهِ، هَذَا كَلَامُ الطِّيبِيِّ، وَابْنِ الْمَلَكِ، وَابْنِ حَجَرٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْجَمْعَ مُتَعَيِّنٌ لِمَكَانِ إِفْرَادِ الصَّفِّ لَا الصُّفُوفِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قِيلَ رُوعِيَ قَوْلُهُ يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ نُكْتَةً ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ كَأَنَّمَا يُسَوِّيهَا بِالْقِدَاحِ، وَالْبَاءُ لِلْآلَةِ كَمَا فِي: كَتَبْتُ بِالْقَلَمِ، فَعَكَسَ وَجَعَلَ الصُّفُوفَ هِيَ الَّتِي يُسَوَّى بِهَا الْقِدَاحُ مُبَالَغَةً فِي الِاسْتِوَاءِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. وَلَا يَظْهَرُ مَعْنَى كَوْنِ الْبَاءِ لِلْآلَةِ عَلَى جَعْلِ الضَّمِيرِ إِلَى الصُّفُوفِ كَمَا فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّ ضَمِيرَ (بِهَا) رَاجِعٌ إِلَى التَّسْوِيَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنَ الْفِعْلِ، أَوِ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الصُّفُوفِ، وَالْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمُقَدَّرٍ، أَيْ: مُشَبَّهًا بِهَا، وَالْعَكْسُ لِلْمُبَالَغَةِ. (حَتَّى رَأَى) أَيْ: عَلِمَ (أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا) أَيْ: فَهِمْنَا التَّسْوِيَةَ (عَنْهُ) : قَالَ الطِّيبِيُّ، أَيْ لَمْ يَبْرَحْ يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى اسْتَوَيْنَا اسْتِوَاءً إِرَادَةً مِنَّا وَتَعَلَّقْنَاهُ مِنْ فِعْلِهِ (ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا) أَيْ إِلَى الْمَسْجِدِ (فَقَامَ) أَيْ: فِي مَقَامِ الْإِمَامَةِ (حَتَّى كَادَ أَنْ يُكَبِّرَ) أَيْ: قَارَبَ أَنْ يُكَبِّرَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ (فَرَأَى رَجُلًا بَادِيًا) : بِالْيَاءِ، أَيْ: ظَاهِرًا خَارِجًا (صَدْرُهُ مِنَ الصَّفِّ) أَيْ: مِنْ صُدُورِ أَهْلِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ (فَقَالَ: " عِبَادَ اللَّهِ!) : بِالنَّصْبِ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ لِكَمَالِ قُرْبِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لَمْ يَنْهَهُ بِخُصُوصِهِ جَرْيًا عَلَى عَادَتِهِ الْكَرِيمَةِ مُبَالَغَةً فِي السَّتْرِ، (لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ) : قَالَ الْقَاضِي: اللَّامُ هِيَ الَّتِي يُتَلَقَّى بِهَا الْقَسَمُ، وَلِكَوْنِهِ فِي مَعْرِضِ قَسَمٍ مُقَدَّرٍ أَكَّدَهُ بِالنُّونِ الْمُشَدَّدَةِ. (أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ) .

قَالَ الْقَاضِي: أَوْ لِلْعَطْفِ رَدَّدَ بَيْنَ تَسْوِيَتِهِمُ الصُّفُوفَ وَمَا هُوَ كَاللَّازِمِ، وَهُوَ اخْتِلَافُ الْوُجُوهِ لِنَقِيضِهَا، فَإِنْ تَقَدَّمَ الْخَارِجُ صَدْرُهُ عَنِ الصَّفِّ تَفَرَّقَ عَلَى الدَّاخِلِ، وَذَلِكَ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى وُقُوعِ الضَّغِينَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَإِيقَاعُ الْمُخَالَفَةِ كِنَايَةٌ عَنِ الْمَهَارَةِ وَالْمُعَادَاةِ، يَعْنِي: فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُهُمْ، وَاخْتِلَافُ الْقُلُوبِ يُفْضِي إِلَى اخْتِلَافِ الْوُجُودِ بِإِعْرَاضِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: بَيَّنَ وُجُوهَ قُلُوبِكُمْ بِأَنْ يَرْفَعَ التَّأَلُّفَ وَالتَّحَابَّ.

قَالَ الْمُظْهِرُ: يَعْنِي: أَدَبُ الظَّاهِرِ عَلَامَةُ أَدَبِ الْبَاطِنِ، فَإِنْ لَمْ تُطِيعُوا أَمْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي الظَّاهِرِ يُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلِ، فَيُورِثُ كُدُورَةً، فَيَسْرِي ذَلِكَ إِلَى ظَاهِرِكُمْ، فَيَقَعُ بَيْنَكُمْ عَدَاوَةٌ بِحَيْثُ يُعْرِضُ بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَقِيلَ: مَعْنَى مُخَالَفَةِ الْوُجُوهِ تَحَوُّلُهَا إِلَى الْإِدْبَارِ، أَوْ تَغَيُّرُ صُوَرِهَا إِلَى صُوَرٍ أُخْرَى، فَيَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى التَّهْدِيدِ، أَوْ يَكُونُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْمُخَالَفَةَ قَدْ تُؤَدِّي إِلَى هَذِهِ الْحَالَةِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>