الْأَصْلِ كَقِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِي وَيَصْبِرُ) أَوْ أَنَّهُ لُغَةٌ فِي أَنَّ سُكُونَهُ تَقْدِيرِيٌّ (أُولُو الْأَحْلَامِ) : جَمْعُ حِلْمٍ بِالْكَسْرِ كَأَنَّهُ مِنَ الْحِلْمِ وَالسُّكُونِ وَالْوَقَارِ وَالْأَنَاةِ وَالتَّثَبُّتِ فِي الْأُمُورِ، وَضَبْطِ النَّفْسِ عَنْ هَيَجَانِ الْغَضَبِ، وَيُرَادُ بِهِ الْعَقْلُ ; لِأَنَّهَا مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْلِ وَشِعَارِ الْعُقَلَاءِ، وَقِيلَ: أُولُو الْأَحْلَامِ: الْبَالِغُونَ، وَالْحُلْمُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَالْبُلُوغُ وَأَصْلُهُ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ. (وَالنُّهَى) : بِضَمِّ النُّونِ جَمْعُ نُهْيَةٍ، وَهُوَ الْعَقْلُ النَّاهِي عَنِ الْقَبَائِحِ، أَيْ: لِيَدْنُ مِنِّي الْبَالِغُونَ الْعُقَلَاءُ لِشَرَفِهِمْ وَمَزِيدِ تَفَطُّنِهِمْ وَتَيَقُّظِهِمْ وَضَبْطِهِمْ لِصَلَاتِهِ، وَإِنْ حَدَثَ بِهِ عَارِضٌ يَخْلُفُوهُ فِي الْإِمَامَةِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: أَمَرَ بِتَقَدُّمِ الْعُقَلَاءِ ذَوِي الْأَخْطَارِ وَالْعِرْفَانِ لِيَحْفَظُوا صَلَاتَهُ، وَيَضْبِطُوا الْأَحْكَامَ وَالسُّنَنَ، فَيُبَلِّغُوا مَنْ بَعْدَهُمْ، وَفِي ذَلِكَ مَعَ الْإِفْصَاحِ عَنْ جَلَالَةِ شَأْنِهِ حَثٌّ لَهُمْ عَلَى تِلْكَ الْفَضِيلَةِ، وَإِرْشَادٌ لِمَنْ قَصَرَ حَالُهُمْ عَنِ الْمُسَاهَمَةِ مَعَهُمْ فِي الْمَنْزِلَةِ إِلَى تَحَرِّي مَا يُزَاحِمُهُمْ فِيهَا. (ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) : كَالْمُرَاهِقِينَ، أَوِ الَّذِينَ يَقْرَبُونَ الْأَوَّلِينَ فِي النُّهَى وَالْحِلْمِ، (ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) : كَالصِّبْيَانِ الْمُمَيِّزِينَ، أَوِ الَّذِينَ هُمْ أَنْزَلُ مَرْتَبَةً مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ حِلْمًا وَعَقْلًا، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ هَلُمَّ جَرًّا، فَالتَّقْدِيرُ: ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَالنِّسَاءِ، فَإِنَّ نَوْعَ الذَّكَرِ أَشْرَفُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِمُ الْخَنَاثَى، فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَرْتِيبِ الصُّفُوفِ.
(قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ) : أَيِ الْمَذْكُورُ (فَأَنْتُمُ الْيَوْمَ أَشَدُّ اخْتِلَافًا) : قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا خِطَابٌ لِلْقَوْمِ الَّذِينَ هَيَّجُوا الْفِتَنَ، وَأَرَادَ أَنَّ سَبَبَ هَذَا الِاخْتِلَافِ وَالْفِتَنِ عَدَمُ تَسْوِيَةِ صُفُوفِكُمْ اهـ. وَقِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَشَدَّ أَصْلُ الْفِعْلِ وَعَدَلَ عَنْهُ إِلَى ذَلِكَ لِلْمُبَالَغَةِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute