انْصَرَفَ عَنْهَا، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ جَعَلَ يَمِينَهُ لِلْمَأْمُومِينَ وَيَسَارَهُ لِلْقِبْلَةِ كَمَا هُوَ السُّنَّةُ (فَإِذَا هُوَ) أَيِ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِرَجُلَيْنِ) أَيْ: حَاضِرَيْهِمَا (فِي آخِرِ الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ، قَالَ: " عَلَيَّ) : اسْمُ فِعْلٍ (بِهِمَا) أَيْ: ائْتُونِي بِهِمَا وَأَحْضِرُوهُمَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: عَلَيَّ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، وَهُمَا حَالٌ، أَيْ أَقْبِلَا عَلَيَّ وَأْتِيَا بِهِمَا، أَوِ اسْمُ فِعْلٍ وَبِهِمَا مُتَعَلِّقٌ بِهِ، أَيْ: أَحْضِرْهُمَا عِنْدِي (فَجِيءَ بِهِمَا تُرْعَدُ) : بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، أَيْ تُحَرَّكُ مِنْ أَرْعَدَ الرَّجُلُ إِذْ أَخَذَتْهُ الرِّعْدَةُ وَهَى الْفَزَعُ وَالِاضْطِرَابُ. (فَرَائِصُهُمَا) : جَمْعُ الْفَرِيصَةِ وَهِيَ اللَّحْمَةُ الَّتِي بَيْنَ جَنْبِ الدَّابَّةِ وَكَتِفِهَا، وَهِيَ تَرْجُفُ عِنْدَ الْخَوْفِ، أَيْ تَتَحَرَّكُ وَتَضْطَرِبُ، وَالْمَعْنَى يَخَافَانِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ تَثْنِيَةُ فَرِيصَةٍ وَهْمٌ مِنْهُ. نَعَمْ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّثْنِيَةُ وَلَمْ يَأْتِ بِهَا حَذَرًا مِنِ اجْتِمَاعِ التَّثْنِيَتَيْنِ فِي كَلِمَتَيْنِ عُدَّتَا كَلِمَةً لِكَمَالِ امْتِزَاجِهِمَا، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: ٤] هَذَا وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا عَلَى حَقِيقَتِهَا مِنَ الْجَمْعِيَّةِ ; لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَرِيصَتَانِ. (فَقَالَ: " مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟) : مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ (فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا كُنَّا قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا) أَيْ: مَنَازِلِنَا (قَالَ: " فَلَا تَفْعَلَا) أَيْ: كَذَلِكَ ثَانِيًا (إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا، ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ) أَيْ: مَعَ أَهْلِ الْمَسْجِدِ (فَإِنَّهُمَا) أَيِ: الْأُولَى أَوِ الثَّانِيَةُ (لَكُمَا نَافِلَةٌ) : أَوِ الصَّلَاةُ بِالْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ زَائِدَةٌ فِي الْمَثُوبَةِ.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الصَّارِفُ لِلْأَمْرِ مِنَ الْوُجُوبِ جَعَلَهَا نَافِلَةً، وَالْجَوَابُ هُوَ مُعَارَضٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ النَّهْيِ عَنِ النَّفْلِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالصُّبْحِ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ لِزِيَادَةِ قُوَّتِهِ، وَلِأَنَّ الْمَانِعَ مُقَدَّمٌ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا قَبْلَ النَّهْيِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَعْلُومَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَكَيْفَ وَفِيهِ حَدِيثٌ صَرِيحٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «إِذَا صَلَّيْتَ فِي أَهْلِكَ ثُمَّ أَدْرَكْتَ فَصَلِّهَا إِلَّا الْفَجْرَ وَالْمَغْرِبَ» " قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ سَهْلُ بْنُ صَالِحٍ الْأَنْطَاكِيُّ، وَكَانَ ثِقَةً، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ وَقْفُ مَنْ وَقَفَهُ ; لِأَنَّ زِيَادَةَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَا يَخْفَى وَجْهُ تَعْلِيلِ إِخْرَاجِهِ الْفَجْرَ مِمَّا يَلْحَقُ بِهِ الْعَصْرُ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، نَقْلَهُ مِيرَكُ. (وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute