للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٢٠٥ - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَتَّى أَصْبَحَ بِآيَةٍ وَالْآيَةُ: " {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: ١١٨] » رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

١٢٠٥ - (وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، أَيْ فِي صَلَاتِهِ لَيْلًا، مِنْ حِينِ قِيَامِهِ (حَتَّى أَصْبَحَ) ، أَيِ: اللَّيْلَ كُلَّهُ فِي الصَّلَاةِ، قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، أَوْ خَارِجَهَا، قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْمَلَكِ، أَيِ: اللَّيْلَ كُلَّهُ، فِيهِ نَظَرٌ، إِذِ الْمَشْهُورُ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ مَا سَهِرَ لَيْلَةً كُلَّهَا قَطُّ، وَالْحَدِيثُ هَذَا دَلَالَةٌ عَلَيْهِ ; إِذْ مَبْدَأُ قِرَاءَتِهِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ قِيَامِهِ مِنْ نَوْمِهِ مُنْتَهِيًا إِلَى الصُّبْحِ، (بِآيَةٍ) : مُتَعَلِّقٌ بِقَامَ، أَيْ: أَخَذَ يَقْرَؤُهَا مِنْ لَدُنْ قِيَامِهِ، يَتَفَكَّرُ فِي مَعَانِيهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، قَالَهُ الطِّيبِيُّ، أَيْ: لِمَا حَصَلَ لَهُ مِنَ الذَّوْقِ وَاللَّذَّةِ الْمَنِيفَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ، (وَالْآيَةُ) ، أَيِ: الْمَعْهُودَةُ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ} [المائدة: ١١٨] ، أَيْ أُمَّةَ الْإِجَابَةِ عَلَى مَعَاصِيهِمْ {فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: ١١٨] : وَيَسْتَحِقُّونَهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْكَ الظُّلْمُ، وَفِيهِ اسْتِعْطَافٌ لَطِيفٌ كَمَا فِي قَرِينَةِ اسْتِعْفَاءٍ شَرِيفٍ {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ} [المائدة: ١١٨] ، أَيْ: ذُنُوبَهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ. وَمَا بَعْدَهُ دَلِيلُ جَوَابِ الشَّرْطَيْنِ {فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ} [المائدة: ١١٨] ، أَيِ: الْغَالِبُ عَلَى مَا تُرِيدُ {الْحَكِيمُ} [آل عمران: ١٨] ، أَيِ: الْحَاكِمُ الَّذِي لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، أَوِ الْحَكِيمُ الَّذِي يَضَعُ الْأَشْيَاءَ فِي مَوَاضِعِهَا، أَوِ الْمُرَادُ بِالْعَزِيزِ الْمُنْتَقِمُ لِمُخَالِفِيهِ، وَبِالْحَكِيمِ الَّذِي يَضَعُ الْأَشْيَاءَ فِي مَوَاضِعِهَا، أَوِ الْمُرَادُ بِالْعَزِيزِ الْمُنْتَقِمُ لِمُخَالِفِيهِ، وَبِالْحَكِيمِ الْمُلَاطِفُ لِمُوَافِقِيهِ، فَيَصِيرُ لَفًّا وَنَشْرًا مُرَتَّبًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِعِبَارَاتِ كِتَابِهِ وَبِإِشَارَاتِ خِطَابِهِ.

قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَاجَى رَبَّهُ قَائِلًا: إِنْ تُعَذِّبْ أُمَّتِي فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ، وَالرَّبُّ إِذَا عَاقَبَ عَبْدَهُ فَلَا اعْتِرَاضَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ، أَيْ: تُوَفِّقْهُمْ لِلْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ، فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْقَوِيُّ الْقَادِرُ عَلَى مَا تَشَاءُ، الْحَكِيمُ الَّذِي لَا يُثِيبُ وَلَا يُعَاقِبُ إِلَّا عَنْ حِكْمَةٍ وَصَوَابٍ. انْتَهَى. وَفِيهِ أَنَّ الظَّاهِرَ مِمَّا قَبْلَ الْآيَةِ أَنَّ هَذَا الْمَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلَا يُنَاسِبُهُ تَفْسِيرُ الْغُفْرَانِ بِتَوْفِيقِ الْإِيمَانِ، وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ إِطْلَاقُ الضَّمِيرِ الظَّاهِرِ مِنْهُ عُمُومُ أُمَّةِ الدَّعْوَةِ، وَقَدْ قِيلَ قَوْلُهُ: يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، وَقَعَ بَعْدَ التَّرَقِّي إِلَى السَّمَاءِ. فَفِي الْجُمْلَةِ لِكَلَامِهِ وَجْهٌ. (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>