للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْإِسْلَامِ (لَا تُكَفِّرْهُ) بِالتَّاءِ نَهْيٌ، وَبِالنُّونِ نَفْيٌ، وَكَلَاهُمَا مَرْوِيٌّ، وَهُوَ بَيَانٌ لِلْكُفْرِ؛ وَلِذَا قَطَعَهُ عَنْهُ، وَالْإِكْفَارُ وَالتَّكْفِيرُ نِسْبَةُ أَحَدٍ إِلَى الْكُفْرِ (بِذَنْبٍ) أَيْ سِوَى الْكُفْرِ، وَلَوْ كَبِيرَةً خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ (وَلَا تُخْرِجْهُ) بِالْوَجْهَيْنِ (مِنَ الْإِسْلَامِ بِعَمَلٍ) أَيْ وَلَوْ كَبِيرَةً سِوَى الْكُفْرِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي إِخْرَاجِ صَاحِبِ الْكَبِيرَةِ إِلَى مَنْزِلَةٍ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ (وَالْجِهَادُ مَاضٍ) أَيِ الْخَصْلَةُ الثَّانِيَةُ اعْتِقَادُ كَوْنِ الْجِهَادِ مَاضِيًا، أَوْ ثَانِيَتُهَا الْجِهَادُ، أَوِ الْجِهَادُ مِنْ أَصْلِ الْإِيمَانِ. وَمَاضٍ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ مَاضٍ وَنَافِذٌ وَجَارٍ وَمُسْتَمِرٌّ (مُذْ) وَفِي نُسْخَةٍ بِالنُّونِ أَيْ مِنِ ابْتِدَاءِ زَمَانِ (بَعَثَنِي اللَّهُ) إِلَى الْمَدِينَةِ أَوْ بِالْجِهَادِ، فَمُذْ: حَرْفُ جَرٍّ، أَوْ أَوَّلُ مُدَّةِ نَفَاذِ الْجِهَادِ زَمَانَ بَعَثَنِي اللَّهُ، فَـ " مُذْ " مُبْتَدَأٌ، وَالزَّمَانُ الْمُقَدَّرُ خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرٌ آخِرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَاضٍ (إِلَى أَنَّ يُقَاتِلَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ) أَيْ أُمَّةِ الْإِجَابَةِ، يَعْنِي عِيسَى أَوِ الْمَهْدِيَّ (الدَّجَّالَ) وَبَعْدَ قَتْلِ الدَّجَّالِ لَا يَكُونُ الْجِهَادُ بَاقِيًا، أَمَّا عَلَى يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ فَلِعَدَمِ الْقُدْرَةِ وَالطَّاقَةِ عَلَيْهِمْ، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا وُجُوبَ عَلَيْهِمْ بِنَصِّ آيَةِ الْأَنْفَالِ، وَأَمَّا بَعْدَ إِهْلَاكِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ كَافِرٌ مَا دَامَ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَيًّا فِي الْأَرْضِ، وَأَمَّا عَلَى مَنْ كَفَرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلِمَوْتِ الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ عَنْ قَرِيبٍ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَبَقَاءِ الْكُفَّارِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَتَجِيءُ هَذِهِ الْحِكَايَةُ فِي ذِكْرِ الدَّجَّالِ (لَا يُبْطِلُهُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (جَوْرُ جَائِرٍ وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ) أَيْ لَا يُسْقِطُ الْجِهَادَ كَوْنُ الْإِمَامِ ظَالِمًا أَوْ عَادِلًا، وَهُوَ صِفَةُ مَاضٍ، أَوْ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ: ( «الْجِهَادُ وَاجِبٌ عَلَيْكُمْ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا» ) وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَبَعْضِ الْكَفَرَةِ، فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ دَوْلَةَ الْإِسْلَامِ تَنْقَرِضُ بَعْدَ أَيَّامٍ قَلَائِلَ، كَأَنَّهُ قِيلَ: الْجِهَادُ مَاضٍ، أَيْ أَعْلَامُ دَوْلَتِهِ مَنْشُورَةٌ، وَأَوْلِيَاءُ أُمَّتِهِ مَنْصُورَةٌ، وَأَعْدَاءُ مَلَّتِهِ مَقْهُورَةٌ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَلَعَلَّ مُحْيِيَ السُّنَّةِ أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَكَذَا الْحَدِيثُ السَّابِقُ، فَإِنَّ الْيَهُودِيَّيْنِ نَافَقَا بِقَوْلِهِمْ: نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ، ثُمَّ قَوْلِهِمَا: إِنَّ دَاوُدَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَعَا رَبَّهُ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَقُولَا ذَلِكَ عَنِ اعْتِقَادٍ، كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَفِيهِ تَكْلَفٌ وَتَعَسُّفٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَابَ مَوْضُوعٌ لِشَيْئَيْنِ؛ لِلْكَبَائِرِ، وَعَلَامَاتِ النِّفَاقِ، فَهَذَا الْحَدِيثُ مُنَاسَبَتُهُ لِلْكَبَائِرِ فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ كَمَا ظَهَرَ مِنْ مُخَالَفَةِ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَكَذَا الْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقَدْ يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ، وَتَرْكُهُ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ السَّابِقُ فَفِيهِ الْآيَاتُ التِّسْعُ الَّتِي كُلُّهَا كَبَائِرُ، وَالْيَهُودِيَّانِ قَدْ صَرَّحَا بِثُبُوتِهِمَا عَلَى كُفْرِهِمَا، فَلَا يَكُونَانِ مُنَافِقَيْنِ، وَلَيْسَ تُوجَدُ دَلَالَةٌ فِي دُعَاءِ دَاوُدَ عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَقُولَا ذَلِكَ عَنِ اعْتِقَادٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقِيلَ: مَعْنَى لَا يُبْطِلُهُ إِلَخْ: لَا يَجُوزُ تَرْكُ الْجِهَادِ بِأَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ ظَالِمًا بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمُ الْمُوَافَقَةُ فِيهِ، وَلَا بِأَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ عَادِلًا فَلَا يَخَافُونَ مِنَ الْكُفَّارِ، وَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى الْغَنَائِمِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنَ الْجِهَادِ هُوَ إِعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ، فَاحْتِيجَ لِهَذَا نَفْيًا لِهَذَا التَّوَهُّمِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ شَأْنِ عَدْلِ الْعَادِلِ أَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ إِبْطَالُ الْجِهَادِ بَلْ تَقْوِيَتُهُ، وَلَمَّا نَظَرَ شَارِحٌ لِهَذَا قَالَ: تَتْمِيمٌ، وَإِلَّا فَعَدْلُ الْعَادِلِ لَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ إِبْطَالٌ. وَقِيلَ: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ النَّفْيُ بِمَعْنَى النَّهْيِ (وَالْإِيمَانُ بِالْأَقْدَارِ) أَيِ الْخَصْلَةُ الثَّالِثَةُ، أَوِ الْإِيمَانُ بِالْأَقْدَارِ مِنْ أَصْلِ الْإِيمَانِ، يَعْنِي بِأَنَّ جَمِيعَ مَا يَجْرِي فِي الْعَالِمِ هُوَ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ لِإِثْبَاتِهِمْ لِلْعِبَادِ الْقُدْرَةَ الْمُسْتَقِلَّةَ بِإِيجَادِ الْمَعْصِيَةِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>