للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٢٤٩ - وَعَنْهُ، أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ قَاعِدًا، قَالَ: " إِنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

١٢٤٩ - (وَعَنْهُ) ، أَيْ: عَنْ عِمْرَانَ (أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ) ، أَيْ: نَفْلُهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ (قَاعِدًا، قَالَ: " إِنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ ") : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَمَّا صَلَاةُ الْفَرْضِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ فَبَاطِلَةٌ إِجْمَاعًا، بَلْ مِنْ أَنْكَرَ وُجُوبَ الْقِيَامِ كَفَرَ ; لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، (" وَمَنْ صَلَّى ") ، أَيِ: النَّافِلَةَ (" قَاعِدًا ") ، أَيْ: بِغَيْرِ عُذْرٍ كَمَا قَالَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ، (" فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ ") : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُتَنَفِّلِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ ; لِأَنَّ الْمُتَنَفِّلَ قَاعِدًا مَعَ الْعَجْزِ عَنِ الْقِيَامِ يَكُونُ ثَوَابُهُ كَثَوَابِهِ قَائِمًا. اهـ. وَمَحَلُّهُ أَنَّ نِيَّتَهُ لَوْلَا الْعُذْرُ لَفَعَلَ لِمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ: إِنَّ الْعُذْرَ يُلْحِقُ صَاحِبَهُ التَّارِكَ لِأَجْلِهِ بِالْفَاعِلِ فِي الثَّوَابِ، (" وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا ") ، أَيْ: مُسْتَلْقِيًا أَوْ عَلَى جَنْبٍ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ، أَيْ: مُضْطَجِعًا، أَيْ: لِغَيْرِ عُذْرٍ (" فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ ") .

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا هُوَ فَمِنْ خَصَائِصِهِ أَنَّ تَطَوُّعَهُ غَيْرَ قَائِمٍ كَهُوَ قَائِمًا ; لِأَنَّ الْكَسَلَ مَأْمُونٌ فِي حَقِّهِ. قُلْتُ: كَوْنُهُ مِنَ الْخَصَائِصِ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ، وَإِلَّا فَظَاهِرُ الْبَشَرِيَّةِ أَنَّهُ يُشَارِكُ نَوْعَهُ، نَعَمْ هُوَ مَأْمُونٌ مِنَ الْكَسَلِ الْمَانِعِ عَنِ الْعِبَادَةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا أَمْنُهُ مِنْ مُطْلَقِ الْكَسَلِ فَمَحَلُّ بَحْثٍ مَعَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْكَسَلِ عَدَمُ الضَّعْفِ وَالْعُذْرُ أَعَمُّ مِنْهُمَا ; إِذْ ثَبَتَ أَنَّهُ تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ مِنَ الصَّلَاةِ فَنَزَلَتْ: {طه - مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: ١ - ٢] ، أَيْ: لِتَتْعَبَ، وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ حَتَّى كَانَ أَكْثَرُ صَلَاتِهِ، أَيِ النَّافِلَةِ وَهُوَ جَالِسٌ» ، وَرُوِيَ عَنْهَا أَيْضًا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ إِذَا لَمْ يُصَلِّ بِاللَّيْلِ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ النَّوْمُ، أَوْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف: ١١٠] فَلَا بُدَّ لِلتَّخْصِيصِ مِنْ دَلِيلٍ قَاطِعٍ وَإِلَّا فَالْأَصْلُ مُشَارَكَتُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَعَ أُمَّتِهِ فِي الْأَحْكَامِ، نَعَمِ الْحَدِيثُ الْآتِي فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِأَنَّ ثَوَابَهُ لَا يَنْقُصُ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ قَاعِدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ أَبَدًا، فَلَا يَكُونُ مِثْلَ غَيْرِهِ ; لِأَنَّ غَيْرَهُ قَدْ يُصَلِّي قَاعِدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>